تتصاعد حدة التوتر بين السلطات الجزائرية وحركة “الماك” (حركة تقرير مصير منطقة القبائل)، في ظل اتهامات مباشرة وجهتها الدولة الجزائرية إلى الحركة بالضلوع في “مخططات انفصالية مدعومة من الخارج” تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
تأسست الحركة عام 2002 بقيادة الفنان الأمازيغي السابق فرحات مهني، الذي يقيم في فرنسا منذ سنوات، وواصل منذ ذلك الحين نضاله السياسي لتأسيس ما أسماه بـ”دولة القبائل” المستقلة. وفي عام 2010، أعلن عن تشكيل “حكومة مؤقتة في المنفى”، لتكون – حسب وصفه – الممثل الشرعي لشعب منطقة القبائل.
منطقة استراتيجية وهوية أمازيغية
تقع منطقة القبائل في شمال الجزائر، وتعتبر واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية وتأثيرًا سياسيًا وثقافيًا. يدافع أبناء هذه المنطقة عن خصوصيتهم اللغوية والثقافية الأمازيغية، ويطالب كثير منهم بتوسيع هامش الحكم الذاتي المحلي. لكن “الماك” تجاوز هذه المطالب إلى الدعوة الصريحة للانفصال.
وتستند الحركة إلى ما تصفه بـ”التهميش المستمر من الدولة الجزائرية”، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. كما تدعو إلى الحفاظ على الهوية الأمازيغية للمنطقة، معتبرة أن السياسات الرسمية “عروبية مركزية” تُقصي التعدد الثقافي الجزائري.
اتهامات بالإرهاب.. وتحالفات مشبوهة
في عام 2021، صنّفت السلطات الجزائرية حركة “الماك” كـ”منظمة إرهابية”، متهمة إياها بالضلوع في حرائق الغابات التي اجتاحت شمال البلاد، وبـ”تلقي تمويلات أجنبية بهدف زعزعة الأمن القومي”. كما اتُهمت بالتورط في التخطيط لمحاولات اغتيال وعمل عسكري مسلح.
فرحات مهني نفى جميع هذه الاتهامات، لكنه لم يُخفِ تقربه من جهات أجنبية، منها المغرب وإسرائيل. وفي تصريح له نشر مؤخرًا في صحيفة “Le Monde” الفرنسية، قال: “إن دعم إسرائيل لقضيتنا طبيعي، لأنها تفهم معاناة الشعوب الصغيرة الباحثة عن حريتها”، في حين ألمح إلى “بوادر تفاهم مع أطراف أمريكية”.
من جهة أخرى، نشرت صحف مغربية مثل “هسبريس” تقارير تشير إلى “ضرورة الاستماع لمطالب الأمازيغ”، وهو ما رأى فيه الإعلام الجزائري “دعمًا غير مباشرًا للانفصال”. كما تناولت وسائل إعلام فرنسية الملف من زاوية “حقوق الشعوب الأصلية”، ما أثار حفيظة السلطات الجزائرية.
بين الشعبية والرفض المحلي
رغم الحضور القوي للماك في بعض الأوساط الشبابية داخل المهجر، إلا أن دعمها داخل الجزائر لا يزال محدودًا، بل ويواجه رفضًا من غالبية الأحزاب والشخصيات القبائلية، الذين يرفضون مشروع الانفصال، ويدعون إلى تحقيق المطالب الثقافية والاجتماعية ضمن إطار الدولة الوطنية.
ففي تصريح أدلى به القيادي السابق في جبهة القوى الاشتراكية (FFS)، أحد أقدم الأحزاب ذات القاعدة القبائلية، قال: “نرفض الزج بمنطقة القبائل في صراعات دولية، ونتمسك بجزائر موحدة ديمقراطية تعددية”.
وحدة الجزائر على المحك؟
تُعد حركة “الماك” تحديًا جديدًا أمام الدولة الجزائرية، التي تواجه ضغوطًا سياسية واقتصادية كبيرة في الداخل، وتوترًا متصاعدًا مع الجوار المغربي. وبينما تواصل الحركة تحركاتها الدولية وظهورها الإعلامي، يبقى مصير مطالبها مرهونًا بتطورات إقليمية دقيقة، وسط مخاوف شعبية حقيقية من تفكيك الدولة الجزائرية على غرار سيناريوهات عرفت في مناطق أخرى من العالم العربي.
ما يزيد من جدية هذا الومضوع و خطورته في الوقت الحالي صدور مقال في جريدة le-mande الفرنسية جاء في نصه ما يلي:
في الجزائر: حركة تقرير مصير منطقة القبائل، العدو اللدود للنظام، تسعى لكسب دعم خارجي
تقرير خاص – باريس
في الوقت الذي تُصنّف فيه السلطات الجزائرية “حركة تقرير مصير منطقة القبائل” (MAK) كمنظمة إرهابية، تواصل هذه الحركة، التي يقودها المعارض فرحات مهني، محاولاتها لكسب الدعم الدولي، خاصة من المغرب، إسرائيل، والولايات المتحدة.
لطالما بقيت هذه الحركة محصورة في دائرة ضيقة من المهتمين بالشأن السياسي الجزائري، لكن اسمها عاد إلى الواجهة بقوة عقب قضية الصحفي الفرنسي كريستوف غليز، الذي حُكم عليه في 29 يونيو بالسجن سبع سنوات بتهمة “تمجيد الإرهاب” من قبل محكمة تيزي وزو. وكان غليز قد أمضى 13 شهراً تحت الرقابة القضائية بعد سفره إلى الجزائر في مهمة صحفية لصالح مجلة So Foot. وتعتبره السلطات الجزائرية مذنباً بسبب تواصله مع حركة MAK، التي تم إدراجها رسمياً على لائحة المنظمات الإرهابية منذ عام 2021.
وتعتبر حركة MAK النظام الجزائري “محتلاً” لمنطقة القبائل، وهي المنطقة التي شهدت في عام 2001 ما يُعرف بـ”الربيع الأسود”، حين أدت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن إلى مقتل 126 شخصاً. ومن رحم هذه الأحداث، وُلدت فكرة تأسيس الحركة.
وفي حديثه لصحيفة لوموند الفرنسية، يقول فرحات مهني، رئيس الحركة: “في خضم تلك الأحداث، تيقّنت مع عدد من الأصدقاء بأن العلاقة مع الجزائر لن تُفضي إلا إلى الصراع وسفك دماء القبائل. وفي 5 يونيو 2001، طرحنا من تيزي وزو مشروع حكم ذاتي موسع لمنطقة القبائل. ومن هنا بدأت قصة MAK”.
الحركة التي باتت تمثل كابوساً سياسياً للنظام، تتبنى خطاباً انفصالياً واضحاً وتتحرك بشكل نشط على الساحة الدولية، رغم ملاحقتها قانونياً داخل الجزائر.
يبقى مستقبل “الماك” معلقًا بين طموح مشروع في نظر أنصاره لتحقيق حكم ذاتي أو انفصال لمنطقة القبائل، وبين مخاوف مشروعة داخل الدولة الجزائرية من تهديد وحدة البلاد وزعزعة استقرارها. فبينما تسعى الحركة إلى تدويل قضيتها وكسب تعاطف الخارج، تواجه في الداخل طوقًا قانونيًا وأمنيًا مشددًا، ورفضًا سياسيًا واسعًا حتى من داخل الحاضنة الاجتماعية التي تزعم تمثيلها.
وفي ظل أوضاع إقليمية غير مستقرة، وتوترات متصاعدة بين الجزائر والمغرب، واحتمالات استغلال أطراف خارجية لهذا الملف الحساس، يبدو أن ما كان يُعتبر في السابق قضية هامشية بدأ يتحول إلى ملف استراتيجي بالغ الحساسية.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل ستنجح الجزائر في احتواء هذا التحدي عبر الحوار والإصلاحات العميقة؟ أم أن تجاهل المطالب المحلية قد يدفع مزيدًا من الشباب نحو التطرف والانخراط في مشاريع انفصالية، لا تخدم مستقبل البلاد ولا استقرار المنطقة؟
الماك ليست مجرد حركة سياسية، بل اختبار فعلي لقدرة الدولة الجزائرية على التوفيق بين وحدة التراب الوطني والتعدد الهوياتي والثقافي داخلها.
بلال بوعلي