أثار رفض إسرائيل استقبال اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من بلادهم جراء الحرب الروسية، جدالاً واسعاً وعلى المستويات كافة، الاجتماعية والسياسية والإعلامية. ففي وقت تظهر إسرائيل تعاطفاً مفرطاً ومشاعر إنسانية منقطعة النظير مع الجانب الأوكراني، خرجت أصوات من داخل “الكابينت” (المجلس الوزراي) تتهم الوزراء بالعنصرية والنفاق وازدواجية المعايير، أو ما سمّته وزيرة الاستيعاب بنينا تامانو شتا “نفاق الرجل الأبيض”، بعدما طالبت الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ عملية إنقاذ عاجلة لليهود الأفارقة الموجودين في تيغراي وإثيوبيا اللتين تعانيان منذ أكثر من عام من الحرب، ليجيبها وزير الشتات نحمان شاي: “نحن من أوروبا… والحرب في أوروبا تهمني أكثر من الحرب في أفريقيا”، بينما رأى وزير المالية أفيغدور ليبرمان أن رؤساء البلديات في إسرائيل يفضلون الأوكرانيين.
بدأت الخلافات على استقبال اللاجئين الأوكرانيين بعدما وصل 7179 من حاملي جوازات السفر الأوكرانية الى مطار بن غوريون في تل أبيب، وتم رفض إدخال 221 منهم، بعدما أعلنت وزيرة الداخلية الإسرائيلية أيليت شاكيد مخططاً جديداً لاستيعاب اللاجئين الأوكرانيين “حيث ستستضيف إسرائيل 25 ألف مواطن أوكراني غير يهودي موقتاً، وحتى انتهاء الغزو الروسي”. وبحسب شاكيد “فإن 20 ألف أوكراني كانوا في إسرائيل قبل اندلاع الحرب الروسية، ويعد ذلك انتهاكاً للقانون”. وأوضحت شاكيد أنه “تم الاتفاق على تخصيص حصة إضافية لـ5000 مواطن أوكراني إضافي وصلوا أو سيصلون بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا”.
وأشارت شاكيد الى أنه “سيتم السماح للأشخاص الذين لديهم أقارب في إسرائيل بدخول البلاد، كما سيتم إلغاء الضمانات للاجئين، وبدلاً من ذلك سيطلب من الإسرائيليين الذين يستقبلون أقاربهم تعبئة نماذج يتعهدون فيها بأن الضيف سيغادر بمجرد انتهاء حالة الطوارئ في بلاده، أي لمدة شهر أو شهرين”.
إثر ذلك، نظمت مجموعة من المتظاهرين الإسرائيليين وقفة احتجاجية أمام منزل شاكيد، بعد إبعاد اللاجئين القادمين من أوكرانيا وترك مجموعة منهم في المطار لأيام من دون أي رعاية أو اهتمام من السلطات الإسرائيلية، بحسب المتظاهرين.
وكان المتظاهرون قد رفعوا لافتات كتب عليها “اليهودي لا يرحل لاجئاً”. وبحسب وسائل الإعلام قامت السلطات الإسرائيلية بعد التظاهرة باستيعابهم في أحد الفنادق التي كانت مخصصة لحجر القادمين الى إسرائيل خلال جائحة كورونا، وأرسلت مؤسسات حقوقية لهم الطعام والدواء والملابس والأغطية، فيما قام محامون في اليوم التالي بزيارتهم للاطلاع على أوضاعهم وتقديم المساعدة اللازمة لهم.
ووجه السفير الأوكراني في إسرائيل يفغيني كورنيشوك اتهامات وانتقادات حادة للحكومة الإسرائيلية، واتهمها بأنها تخاف من روسيا، كما قدم “التماساً الى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد وزيرة الداخلية والحكومة الإسرائيلية بسبب مخطط استيعاب اللاجئين والسياسة الجديدة لوزارة الداخلية”، مشيراً الى أن سياسة شاكيد تنتهك كل الاتفاقات المبرمة بين كييف وتل أبيب بخصوص إعفاء اللاجئين الأوكرانيين من التأشيرات.
وتابع السفير الأوكراني أن “إسرائيل لا تفعل ما يكفي لدعم أوكرانيا من خلال تقديم المساعدات الدفاعية، ولا تأخذ موقفاً واضحاً مؤيداً لأوكرانيا”. كما وجه كورنيشوك دعوة إلى الحكومة الإسرائيلية للانضمام الى العقوبات التي يقودها الغرب ضد روسيا، وإلى أن “تنهي الشركات الإسرائيلية الخاصة أعمالها مع نظيراتها الروسية”.
وستعقد محكمة العدل العليا الإسرائيلية جلسة استماع عاجلة في غضون سبعة أيام، بشأن الالتماس المقدم ضد سياسة الحكومة تجاه اللاجئين الفارين من الحرب، وسيسعى الالتماس الى منع وزيرة الداخلية شاكيد من الحد من عدد اللاجئين غير المؤهلين للحصول على الجنسية الإسرائيلية وفقاً لما نقلتة المواقع الإخبارية الإسرائيلية.
لا شك في أن إسرائيل تعرف كيف تسخّر أي حدث سياسي أو عسكري خارج عن سيطرتها لمصلحتها، فتحول الوزارات الى غرف طوارئ دائمة وتجنّد الإعلام لتغطية الحرب وتركز التقارير الإخبارية الواردة من أوكرانيا على الأوضاع الإنسانية والمساعدات الإسرائيلية، ومقارنة الأوضاع في أوكرانيا بإسرائيل التي لا تلبث أن تصور نفسها ضحية محاطة بالأعداء على الجبهات كافة، يهددون أمنها ووجودها.
وهل لا شك تستغل حالة الخوف مما يحدث في أوروبا بهدف استقدام المزيد من المهاجرين اليهود من أوكرانيا وأوروبا على حد سواء. وهي أعلنت مخططاً جديداً لتحديد الأراضي وطرق التمويل، تسعى من خلاله الى توطين ما يقارب 50 ألف مهاجر جديد من روسيا وأوكرانيا يستوفون شروط “قانون العودة الإسرائيلي”. لكن كل ذلك لا يلغي أن التناقض الجوهري في موقف إسرائيل اليوم أنها نظام “كولونيالي” هجر الفلسطينيين من أجل احتلال أراضيهم وإقامة دولته، وها هو اليوم يحاول أن يظهر بوجه إنساني متسامح.