أزمة الحبوب في تونس و حقيقة وجود كارتال مطاحن

يواجه المجتمع التونسي حاليًا تحديات معيشية صعبة جدا نتيجة للنقص الحاد في بعض المواد الأساسية كالخبز.
و لهذا النقص بطبيعة الحال ما يبرره، فالعالم أجمع يشكو من ارتباك كبير فيما يتعلق بعمليات التزود بالحبوب، حيث أصبحت الحبوب مرتفعة الثمن من جهة و نادرة الوجود من جهة ثانية.
و على الرغم من تأكيد الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال اجتماعه مع وزير الفلاحة، على حل أزمة نقص الخبز في وقت وجيز، إلا أن الأزمة لا تزال مستمرة حتى الآن.
و قد أصبحت عملية شراء الخبز الذي يُعتبر الغذاء الأساسي للمواطنين، أمرًا صعبا بسبب ندرة المواد الأساسية مثل السميد والفرينة. وقد أثر هذا النقص بشكل كبير على إنتاج مختلف أنواع الخبز.
ومن الجدير بالذكر أن طوابير الانتظار الطويلة أمام المخابز أمرا يتكرر باستمرار، و تجد هذه المخابز نفسها مضطرة لإغلاق أبوابها في وقت مبكر نتيجة لارتفاع الطلب و شح الفرينة و السميد.
و دعا سعيد المسؤولين في ديوان الحبوب، وهو الجهة المسؤولة الرسمية عن توريد القمح الصلب واللين داخل البلاد، إلى تحمل المسؤولية في هذه الظروف الصعبة. وقد هدد باتخاذ إجراءات قاسية، منها محاسبة وتنقية الإدارة من الموظفين الذين يُزعم أنهم يعملون من أجل مصالح أطراف سياسية تسعى إلى تفاقم معاناة الشعب وإيذائه.

 

* الأسباب العميقة التي أدت لإندلاع أزمة الخبز
تأتي أزمة الخبز في سياق اقتصادي متدهور، حيث تعمق هذا الوضع منذ ثورة 2011، مما أثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة نسبة البطالة بشكل كبير، حيث وصلت خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 16.1%، كما ارتفع معدل التضخم إلى مستوى 10.1%، وفقًا لتقارير المعهد الوطني للإحصاء.
وتظل تونس عاجزة عن حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي تعاني منها، مثل مشكلة البطالة وتدهور البنية التحتية وارتفاع معدل التضخم. وقد تفاقمت هذه المشاكل بنقص السلع الأساسية التي يحتاجها المواطنون في حياتهم اليومية، مما أثّر سلبًا على معنوياتهم في ظل هذه الظروف الغامضة والمعقدة.
و تبعا لهذا أطلقت السلطات التونسية حملة مكثفة لمكافحة ظاهرة الاحتكار والسيطرة على سلاسل التوزيع، تم من خلالها احتجاز كميات كبيرة من السلع الأساسية بهدف إعادة توزيعها في الأسواق.
وأشارت جمعية “أليرت تونس” إلى أن السبب الرئيسي وراء أزمة الخبز يعود إلى عدم قدرة الدولة التونسية على استيراد ما تحتاجه من القمح، وألقت الجمعية الضوء على الأزمة الهيكلية الشاملة التي يعاني منها قطاع الحبوب في تونس كسبب رئيسي لتفاقم هذه المشكلة.
 في تدوينة على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فايسبوك بتاريخ 21 ماي 2023 أكدت منظمة ALERT أن أزمة الحبوب/الخبز في البلاد ناجمة عن عدة أسباب و هذه أهمها:
– عجز الدولة على تمويل استيراد الحبوب.
– انخفاض حاد في كميات القمح الصلب الموزعة من طرف ديوان الحبوب.
– عجز الدولة التونسية عن تمويل حاجياتها من القمح الصلب.
– ارتفاع ديون ديوان الحبوب إذ تصل إلى حدود 31 ديسمبر 2022، ل4 مليارات و768 مليون و74 ألف دينار. وعرفت هذه الديون ارتفاعا بنسبة 27% خلال سنة واحدة.
– تأخر الدولة في صرف 2 مليارات و385 مليون و74 ألف دينار من ميزانية الدعم مما يجعل ديوان الحبوب عاجزًا عن استيراد حاجيات السوق، خاصة من القمح الصلب.
– تم التخفيض في كمية القمح الصلب الموزع خلال شهر أفريل المنقضي من طرف ديوان الحبوب ب30%، وإلى حد يوم 20 ماي 2023 تم توزيع حوالي 15% فقط من الاستهلاك الشهري.
– وصول بواخر القمح الصلب بصفة غير منتظمة بين صفاقس وتونس مما يولد تفاوت في الكميات الموزعة بين الجهات.
– ينتج عن هذا النقص الحاد في كمية القمح الصلب فقدان مادة السميد، مما ينتج ضغطا على مادة الفارينة، وهذا ما يفسر فقدان مادة الخبز.
حوار حصري مع السيد “لؤي الشابي” رئيس منظمة ALERT
* كيف وُلِدَت أزمة الخبز؟
تملك تونس مستويين لتحصيل الحبوب، إذ لدينا من جهة الإنتاج المحلي، و من جهة أخرى آلية الاستيراد من الدول الخارجية.
تقوم تونس بزراعة القمح الصلب لأن الفلاح التونسي يقوم ببيعه بأسعار أعلى من القمح اللين، و مع ذلك يبقى سعر شراء القمح الصلب متدنّ جدا بالنسبة للفلاح التونسي، مقارنة بما تنفقه الدولة على الفلاح الأجنبي!
تمكنت البلاد في أحسن أحوالها من توفير 60 في المئة من إجمالي حاجياتنا من القمح الصلب و 0.3 في المئة من القمح اللين ثم يقع استيراد البقية، و هذا ما يجعلنا في تبعية و عدم استقرار بسبب غياب الإكتفاء الذاتي على مستوى الحبوب.
واجهت المالية العمومية شحا و ضغطا كبيرا لأسباب خارجية تمثلت في الحرب بين روسيا و أوكرانيا التي نتج عنها ارتفاع مهول في أسعار الحبوب، و بالتالي منع شح المالية العمومية ديوان الحبوب من توريد القمح الصلب، بينما لم تتزعزع واردات القمح اللين، لأن توريده خاضع لاتفاقيات مع مجموعة من بنوك التنمية، على غرار البنك الأوروبي للتنمية و البنك الإفريقي للتنمية… و هكذا نجد أنفسنا قادرين على استيراد القمح اللين، بينما دائما ما نعاني من نقص فادح على مستوى القمح الصلب! و بما أن المالية العمومية تعاني من شح كبير ما تسبب في انخفاض نسبة استيراد القمح الصلب ب30 في المئة في شهري ماي و جوان، و هو ما خلق ضغطا كبيرا على مادة السميد، التي يقع استخدامها في تصنيع المعجنات مثل المكرونة و الخبز خاصة من طرف المطاحن المصنفة على أنها لا تمتلك الفارينة المدعمة بما فيه الكفاية، ما دفعها لإستخدام مادة السميد أكثر، و من هنا ساهم استخدام هذه المطاحن و تعويلها على مادة السميد في خلق ضغط على مادة الفارينة، و بهذه الطريقة ولدت أزمة الخبز.

 

* أسباب عجز الدولة عن تحقيق اكتفائها الذاتي من الحبوب
للأسف الشديد لم تتمكن البلاد التونسية من تحقيق اكتفائها الذاتي و سد حاجياتها من الحبوب و ذلك لسببين:
1- قيام الدولة على سياسة واضحة لدعم المستهلك، و هو ما يتسبب في خسائر فادحة للفلاح، سواء على مستوى الزراعات الكبرى أو الباكورات، إذ لا يتلقى الفلاح دعما من الدولة فيما يتعلق بالأسمدة أو المياه أو شراء البذور و غيرها… و زيادة على هذا تتحكم الدولة في سعر البيع، أي كل مسالك البيع على غرار بير القصعة و غيره… و هنا نجد أنفسنا أمام وساطات بين سعر بيع الفلاح لسوق الجملة و المستهلك، حيث يشتري المستهلك المواد بسعر مرتفع، و يبيع الفلاح منتوجة بسعر منخفض.
2- انخفاض مساحات الأراضي المخصصة للزراعات الكبرى بسبب غياب المساندة، إذ يواجه الفلاح في هذا الإطار عدة مشاكل عويصة كشح المياه و عدم توفر الأسمدة، و الأهم من كل هذا نذكر اشكالية سعر الشراء التي لا تمكن الفلاح من خلق عائدات تمكنه من مواصلة استثماراته، ثم لا ننسى اشكالية الملكية العقارية في تونس حيث لا يستطيع الفلاح أن يستثمر في أرضه بسبب الأملاك الجماعية.

 

* أهم الحلول لإنقاذ المخابز
بما أن هناك أزمة ظرفية و اشكالية على مستوى المالية العمومية، لا بد من ترشيد استيراد القمح الصلب و توظيف ذلك الترشيد في استيراد كميات أكبر من القمح الليّن، و ذلك من أجل توفير الكميات المطلوبة من مادة الفرينة في السوق، و هكذا سيكون في مقدورنا أن نسيطر على ردة فعل المواطن الذي لم يعد يثق في سياسات الدولة، و عند توفير الفرينة سننجح في تخفيض الطلب و بالتالي معالجة المشاكل الهيكلية.
لا بد إذن من تخفيض عمليات استيراد القمح الصلب بنسبة تتراوح بين 20 و 30 في المئة، ثم زيادة هذه النسبة لواردات القمح اللين، لأن هناك 100 دولار موظفة على الطن الواحد كفرق بين سعر القمح الصلب و سعر القمح اللين، و هنا ستتوفر لنا إمكانيات المالية العمومية لتوفير الفرينة، و هذا ما سيمكننا من ربح الوقت لمعالجة المشاكل الهيكلية، من خلال مراجعة الحصص التي يقع توزيعها على المطاحن، و التي عادة ما تكون غير متكافئة بسبب وجود هيمنة كبيرة لغرفة المطاحن/كارتال المطاحن التابع لمنظمة الأعراف، كما لا بد من مراجعة حصص الفرينة الموجهة للمخابز.

 

* كارتال المطاحن
توجد اليوم في تونس 23 مطحنة ممثلة في غرفة المطاحن التابعة للإتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية UTICA.
في توزيع حصص الحبوب يتبع ديوان الحبوب إملاءات كارتال المطاحن، لأن المطحنة هي المسؤولة عن تحديد الصيغة التي يقع اعتمادها في توزيع الحصص على المطاحن، و بما أن كل مطحنة تملك صوتا واحدا نجد مجامعا صناعية كبرى مختصة في إنتاج المكرونة و الكسكسي تتحكم في العديد من المطاحن في آن واحد، و ذلك بهدف أخذ أكثر حصص ممكنة من ديوان الحبوب، و بالتالي هي تجبر ديوان الحبوب على توزيع الحصص بصفة غير متكافئة، و هكذا تزداد المطاحن الكبرى قوة، في حين تتعرض المطاحن الصغرى للإفلاس لتشتريها تلك المجامع الكبرى.
تندرج المطاحن و معامل السميد ضمن مؤسسات تحويل الحبوب. وبلغ عدد المطاحن ومعامل السميد الناشطة 23 وحدة، و هي موزّعة على مختلف الجهات بالبلاد التونسية بالأساس بمناطق الاستهلاك كما يلي:
19 مطحنة على الشريط الساحلي وتتوزع بين تونس الكبرى بـ 9 مطاحن، وسوسة بـ 4 مطاحن، وصفاقس بـ 3 مطاحن، وقابس بـ 3 مطاحن.. و تمثل نسبة 80% تقريبا من طاقة التحويل الوطنية.
و لدينا عدد 4 مطاحن منتشرة ببقية المناطق، وهي نابل وباجة وقفصة والقصرين.
هذا وتندرج مؤسسات المطاحن و معامل السميد ضمن القطاع الخاص تحت إشراف غرفة وطنية، وتتولى مهمة تحويل القمح اللّين والقمح الصلب لإنتاج المواد الأوّلية من فرينة وسميد.
بطبيعة الحال تبقى مسألة وجود كارتال مطاحن أمرا غير مؤكد، و كون أصحاب المجمعات الصناعية الكبرى يسيطرون على مجموعة من المطاحن يبقى هو الآخر تصريحا و رأيا يخص صاحبه دون غير، إذ هناك مجمعات صناعية في تونس تسهر على توفير حاجيات التونسي من مختلف الأغذية، و هي تعمل في كنف الشفافية و بعيدة كل البعد عن الشبهات.

 

* مسالك التوزيع
قامت الدولة منذ 50 سنة بخلق منظومة يمكن التحكم فيها، و عليه يتم إجبار المنتجين على التوزيع في مسالك معينة تحددها الدولة بنفسها، فمثلا لا يملك الفلاح اليوم الحق في بيع منتوجه عن طريق الفواتير، و بالتالي هو مجبر على الذهاب لسوق الجملة و هو سوق بير القصعة، و هكذا يجد الفلاح نفسه غير قادر على التأقلم مع الأزمات الإقتصادية، و لا يُمَكّنُهُ سعر البيع من عيش حياة كريمة، و من جهة أخرى نجد أشخاصا يعملون بسوق الجملة و لديهم رخص، و هم نفس الأشخاص و العائلات منذ عقود، و يقوم هؤلاء بالمضاربة و الضغط على المنتج و المستهلك، إذ يقومون بشراء المواد بأسعار منخفضة ليبيعوها بعد ذلك بأسعار مرتفعة، و بالتالي مشاكل مسالك التوزيع مرتبطة أساسا بمنظومة التجارة ككل لأن هذه المسالك ليست عمومية، و إنما هي مسالك خاصة تقوم الدولة بحمايتها عن طريق اسناد رخص الهباطة و الحمالة و تجار سوق الجملة… و هو ما يدفع الفلاح للجوء إلى بيع منتوجاته خارج تلك الأسواق التي تقوم على المضاربة.
و في تدوينة أخرى بتاريخ 02 أوت اتهمت منظمة ALERT “محمد بوعنان” رئيس نقابة الخبازة المصنفين بشيطنة منافسيه من أصحاب المخابز العشوائية، و هذا نص التدوينة:
“محمد بوعنان رئيس نقابة الخبازة المصنفين قال لقيس سعيد شطر الحقائق و شيطن منافسيه الخبازة العشوائيين فصدقه قيس سعيد و قال الخبز خط أحمر و قرر أخذ قررات في صالح المخابز المصنفة على حساب المخابر “العشوائية”. نعم هكذا يسميهم بوعنان لمحاربتهم. و في ليلة و ضحاها انتصر بوعنان على منافسيه و ضرب الكعكة كلها خاتر هو عندو رخصة و لخرين لا. و خاطب قومه منتشي فقال ما يلي… في تونس المنافسة موش بالذراع بل بالتعكعيك في البيروات مع الرئيس و الوزير و الادارة…”.

 

* معاناة و مأساة الفلاح التونسي
يرزخ الفلاح تحت وطأة 3 ضغوطات:
1- الضغط المسلط على الفلاح من قبل الدولة التي لا توفر له الأسمدة و البذور و المياه و العديد من الضرورات الفلاحية الأخرى…
2- ضغط المتحكمين في سوق الجملة الذين يفرضون على الفلاح أسعارا مشطة و تعريفات باهظة.
3- ضغط البنوك على الفلاحين من خلال إجبارهم على رهن منتوجاتهم و أراضيهم.
طبيعة الوضع الراهن في ظل الجفاف و شُحّ الموارد الماليّة
يُظهِرُ الوضع الحالي إشارات تفاقم محتمل نتيجة لزيادة متوقعة في معدلات الاستهلاك، خاصة و أن هذه الأزمة تتزامن مع وصول أعداد قياسية من السياح، بالإضافة إلى عودة المغتربين لقضاء عطلاتهم في وطنهم.
تعود أزمة نقص الدقيق إلى انخفاض إنتاج محاصيل الحبوب، وهو أمر تسببت فيه فترات الجفاف المتكررة التي شهدتها تونس على مدار الأربع سنوات الماضية.
وليس هذا فحسب، بل إن تأثيرات الصراع الروسي-الأوكراني تلقي بظلالها أيضًا، حيث أثرت هذه الأحداث على سلاسل إمداد الحبوب بسبب الاضطرابات التي نتجت عنها، خاصة و أن تونس تعتمد بنسبة 50 في المئة على السوق الأوكرانية، وتستورد حوالي 4 في المئة من احتياجاتها من السوق الروسية، وهذا ما زاد من تعقيد الوضع.
و في مسعى للحد من التوتر، عقدت رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن اجتماعًا مع جميع المسؤولين ذوي الصلة بقطاع الحبوب والخبز، دعت من خلاله إلى منع أي تلاعب أو احتكار في عمليات توزيع الدقيق بجميع أشكاله، واتّخِذَ قرار بفرض برنامج رقابي صارم يهدف إلى مكافحة أي تجاوزات، بما في ذلك الاحتكار و التلاعب بهذه المواد، و تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون لمَن يرتكب مثل هذه السلوكيات.
* انتهاكات خطيرة تحوم حول عملية توزيع الدقيق المدعم
انتقد رئيس منظمة إرشاد المستهلك “لطفي الرياحي” الانتهاكات الخطيرة التي تحدث في توزيع الدقيق المدعم، وقال: “عملية توزيع المواد المدعمة هي مسؤولية مؤسسات حكومية وتستهدف بشكل خاص المخابز المصنفة من قبل الدولة، وهذا يتعارض مع المخابز غير المصنفة التي تعمل في إعداد الخبز الفاخر والمأكولات اللذيذة”.
وأضاف الرياحي أن “القانون ينص على أن تكون توزيعات الدقيق المدعم محصورة في المخابز المصنفة، وهنا تظهر المشكلة حينما يتم تسريب هذه المواد إلى المخابز غير المصنفة”. وبين أن هذه الممارسات أدت إلى توجيه موارد المواد المدعمة إلى منتجي المخبوزات الفاخرة بدلاً من مستحقيها، مما تسبب في نقص كبير في كميات الخبز المدعم. وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة لمكافحة هذه السلوكيات.
* نحو تضافر الجهود لإصلاح الإقتصاد و إنعاش منظومة الحبوب
على ضوء ما تم ذكره أعلاه و التطرّق إليه بعمق و موضوعيّة كبيرة و دقيقة، يظهر أن أزمة الحبوب في تونس ليست مجرد مشكلة سطحية تتعلق بنقص في إمدادات الخبز فحسب، بل إنها تجسد واقعًا اقتصاديًا واجتماعيًا أعمق، و هنا نضع الإصبع على الاقتصاد التونسي المتدهور وتأثيراته السلبية على حياة المواطنين في هذه الأزمة التي عرّت و كشفت مدى هشاشة و ضعف اقتصاد البلاد.
و بالتالي تتجلى مشكلة توزيع الحبوب وندرتها في تطور مظاهر الاحتكار و السيطرة على السلاسل التوريدية، مما يؤثر سلبًا على توفر السلع الأساسية ويجعل من تأمين الخبز مهمة شاقة.
من جهة أخرى زادت الديون المتراكمة لديوان الحبوب من تعقيد الوضع و جعلته غير قادر على تلبية احتياجات السوق بشكل مناسب.
من المهم أن يتعامل المسؤولون بجدية مع هذه الأزمة ويبذلوا جهوداً فعّالة للتغلب على التحديات الهيكلية العميقة التي يواجهها قطاع الحبوب في تونس.
يجب تعزيز الاستثمار في القطاع الفلاحي وتحسين إدارة توريد وتوزيع الحبوب، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد والاحتكار.
على المستوى الاقتصادي، يجب تبني سياسات تحفيزية لتعزيز الإنتاج المحلي وتحسين البنية التحتية لتوزيع الحبوب، مما سيسهم في تعزيز استقرار الأسعار وتوفير إمدادات مستدامة للمواطنين.
من الضروري أيضًا أن يشعر المواطنون بالثقة في جهود الحكومة والجهات المعنية لحل هذه الأزمة.
في الختام، يتطلب حل أزمة الحبوب في تونس جهدًا مشتركًا وتعاونًا بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، و بالتالي يجب أن تكون هذه الأزمة فرصة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية والتنموية، وتحقيق تحسينات جوهرية من أجل توفير مستقبل أفضل للمواطنين، وضمان توفر السلع الأساسية بشكل مستدام ومنصف.

 

بلال بوعلي

 

Read Previous

إسناد شهادة صلوحية ملعب 15 أكتوبر لكامل الموسم وتأهيل ملعب قفصة لاحتضان مباريات الرابطة الأولى

Read Next

هل يقاضي فعلا منتصر الدريدي المكتب التنفيذي لمنظمةالاعراف ؟

Most Popular