شرعية ما فوق الدساتير يمكن أن تسمح للمعارضة بحشد المساندة الشعبية عندما لا تقود إلى الفراغ السياسي

إن خفايا الوضع السياسي تجعل من الصعب الجدل حول موقف السلطة من المعارضة فيما يتعلق بتهديد حتمي لأمن الدولة والذي يرجع إلى كلّ طرف أن يدافع على وجهة نظره من هذه الناحية أمام القضاء، إلاّ أن ذلك لا يمنع من التطرّق إلى مسألة حقوقية تتعلق بحق المعارضة في حشد المساندة الشعبية لتكون طرفا في السلطة أو حتى لتغيير النظام، وبالتحديد لإثارة التفاصيل التي يمكن أن يقوم عليها التحقيق في إن كان ذلك يمكن تجريمه آليّا بمفهوم الدستور الجديد حسب نص واضح وصريح لا يترك أي مجال للتأويل أو أنه يمكن إرجاعه قانونيّا إلى حرية الرأي والتعبير بمفهوم شرعية ما فوق الدساتير التي قام على أساسها الدستور نفسه وعلى أساس أن حشد المساندة الشعبية يكون بدافع حمل الأغلبية على التعبير عن رأي سياسي موحد.
فحتى وإن كان ظاهريّا ما تسعى إليه المعارضة يمكن أن يعطّل السير العادي للمحاسبة التي يطالب بها الشعب أملا في أن تتحسّن بذلك أوضاعه أو يمكن أن يعطّل حصول الدولة على احتياطي من العملة، فإن في الأنظمة التي تقوم بطبعها على الاعتراف بالإرادة الشعبية في تغيير الدساتير لا يمكن التشريع بكل بساطة لإيقافات في صفوف مقامات فكرية من المعارضة تسعى إلى التعريف بموقف سياسي وبصرف النظر إن كان ذلك الموقف خطئا أو صوابا، إلاّ إذا تبيّن أن تحرّك المعارضة يشكل خطرا حتميّا على أمن الدولة أو على الأشخاص، بما أنه يوجد فرق بين حشد المساندة الشعبية لتغيير النظام وتجييش الجماهير ضدّ النظام إمّا بالدّعوة إلى الإضرابات العشوائية لتعطيل المرفق العمومي أو بجعل الشعب يثور على تردّي أوضاعه المعيشية إذا ثبت أن المعارضة لها علاقة بفقدان المواد الأساسية.
حيث يقوم الطعن في الإيقافات على أساس أن السلطة لم تعبّر بمرسوم في إطار حفظ النظام العام عن رفضها الرجوع إلى شرعية ما فوق الدساتير أو عن الصيغ الوجوبية للتحركات الشعبية بما يكون فيه رفضا قاطعا للإرادة الشعبية فيما يتعلق بالمرور إلى السلطة وبمقتضى قانون إجباري تلتزم به المحاكم في إطار شرعية الأمر الواقع وينقح ما سبق الاتفاق عليه ضمنيّا بالأحكام الدستورية في باب الحريات.
في حين أنه بالرغم من إمكانية الطعن في شرعية تلك الإيقافات، فإن المعارضة تتحمّل فيها كذلك المسؤولية، بما أن المعارضة كان عليها منذ البداية وقبل الشروع في التخطيط إلى حشد المساندة الشعبية أن تحاول أوّلا الترخيص لها بأحكام قضائية تقوم على شرعية ما فوق الدساتير، خاصة عندما لا يكون تدخل المعارضة يهدف فقط إلى تعديل قرارات سياسية بل إلى تغيير نظام برمّته والذي يمكن أن يحيل إلى جدل قانوني حول خطر محتمل يتعلق بفراغ سياسي عندما لا تقدّم المعارضة أي بديل للنظام القائم إذا تمكّنت بالفعل من إسقاطه.
حيث أن العنصر الأساسي الذي يمكن أن تكون قد قامت عليه الإيقافات يتمثل في أنه بالنسبة إلى الشرعية الدستورية يوجد فرق بين التظاهر للاعتراض على سياسة السلطة والذي يعبّر عن رأي سياسي والتظاهر لعدم الاعتراف بالسلطة من أساسه سواء كان التظاهر صادرا عن حزب واحد أو عن تكتل من الأحزاب والمنظمات الحقوقية، وذلك عندما تتمسّك السلطة بالشرعية الدستورية دون سواها في مرور المعارضة إلى السلطة وعندما تثير بالدّعوى أن تحرّك المعارضة يهدف إلى حشد المساندة الشعبية لإسقاط النظام وأن ذلك الحشد يمكن بالفعل أن يشكل خطرا داهما على قيام السلطة في تردّي الأوضاع المعيشية ويمكن أن يقود إلى حالة من الفوضى تهدّد أمن الدّولة.
إلاّ أن ما يمكن أن يثير الانتباه يتمثل في أن مجرّد اعتراف السلطة بأن حشد المساندة الشعبية يمكن أن يغيّر الشرعية الدستورية التي قامت عليها السلطة يمثل في حدّ ذاته اعترافا ضمنيّا بشرعية ما فوق الدساتير، بما أنه سبق وأن تمّ تغيير الدستور القديم بإرادة شعبية واسعة النطاق والتي اكتسبت بموجبها السلطة شرعية معترف بها على الصعيد الدولي انطلاقا من موقف الولايات المتحدة الأمريكية عندما قامت المعارضة والأحزاب في السلطة بالاعتراض على قلب النظام.
حيث أن توجه المعارضة إلى رفض الأسس التي قامت عليها السلطة لا يمكن أن يكون مخرجا لإثبات قرينة البراءة حتى وإن كان من حق المعارضة أن ترفض أداء السلطة، بما أن الشرعية الدستورية قد تمّ تركيزها نهائيّا باستفتاء شعبي ولا يمكن للدّفاع أن يجد مخرجا إلاّ من خلال الدستور نفسه عند التوصل إلى إثارة شرعية ما فوق الدساتير على أنها لا تتعارض مع أحكام الدستور بل أنها تكمّلها استثنائيّا.
ثمّ أن القضاء يمكن أن ينظر لاحقا وبإثارة من الدفاع في مسألة شرعية ما فوق الدساتير وبالتحديد للنظر في إن كان الدستور نفسه الذي قامت على أساسه مبدئيّا الإيقافات والذي يحيل عموما إلى تطبيق إجباري لأحكامه المتعلقة بطريقة الانتقال إلى السلطة، يمكن أن يحتوي ضمنيّا على استثناء يجيز إلى الشعب بمفهوم الإرادة الشعبية بأن يختار النظام الذي يناسبه، وذلك بالنسبة إلى أغلبية الشعب التي سبق وأن صادقت على الدستور وكذلك بالنسبة إلى أغلبية الشعب التي قد لا تصادق عليه لاحقا، خاصة وأن الدستور الحالي لم يوضح هذه المسألة ولم يصدر في شأنها أي مرسوم تعديلي يمكّن من الحسم نهائيّا في النزاع.
أمّا إذا أقرّ القضاء بأن شرعية ما فوق الدساتير تقتضي نفسها أن يحافظ كلّ تحرّك شعبي على النظام العام لعدم المرور إلى مرحلة الفوضى عند إمكانية الوصول إلى فراغ سياسي، فإن الإدانة تقوم حينها على وجود خطر محتمل لتهديد أمن الدولة والذي يختلف تماما على الخطر الحتمي، ثمّ أنها تتوقف على تقدير القاضي في إن كان الفراغ السياسي يكون أكثر أو أقل خطورة من المخاطر المحتملة في استمرار النظام القائم، إلاّ أن التعقيدات في حل هذه المسألة قد تتجاوز اختصاص القاضي، ولذلك فإنه من الممكن جدّا التوجه إلى الإقرار بسراح شرطي قبل أو بعد المحاكمة والذي تتوقف بموجبه كلّ التحركات التي يكون من شأنها أن تشرّع لقلب النظام، وذلك بناءا على أن المعارضة لم تقدّم أي ضمانات يمكن على أساسها أن تحصل في الحين على التراخيص للتظاهر ضدّ قيام السلطة خاصة في إمكانية تتمسّك السلطة بالاعتراض على منح المعارضة تلك التراخيص.
الهاشمي حمدي
ربّان وخبير بحرية تجارية
ماجستير الأكاديمية البحرية

Read Previous

أسواق الأسهم الخليجية في تحسن مستمر

Read Next

(تتصدرها قمة الزمالك والترجي)- هذا برنامج أبرز مباريات اليوم الثلاثاء و النقل التلفزي

Most Popular