من يملك اليوم القدرة على شراء كيلوغرام واحد من الموز؟ لقد أصبح منتجاً فاخراً لا يمكن للمستهلك العادي الوصول إليه. تقدّم تونس اليوم أغلى موز في العالم. ورغم إعلان وزارة التجارة، منذ 1 أكتوبر 2025، عن تحديد أسعار البيع للعموم بـ5 دنانير للموز المصري و7 دنانير للموز القادم من مصادر أخرى، إلا أن هذه الأسعار لم تُطبَّق إطلاقاً في السوق، ولم تظهر منذ صدور القرار.
في الواقع، حدّدت وزارة التجارة أسعاراً لمنتج غير موجود أصلاً في السوق. إنها “نظرية اقتصادية جديدة” لم نسمع بها من قبل. ويُذكر أن الموز اختفى من رفوف المحلات مباشرة بعد هذا القرار، الذي يبدو أنه اتُّخذ في مكاتب الوزارة دون دراسة أو تحليل للسوق.
اليوم يُباع الكيلوغرام من الموز بين 16 و19 ديناراً — وهي كميات مهرّبة. ووفقاً للبنك الدولي، يُعد الموز ضمن قائمة أهم 10 سلع مهرّبة في تونس عبر الجزائر أو ليبيا.
بعد تحديد الأسعار من قبل وزارة التجارة، قرّر المستوردون التوقّف عن الاستيراد لأن التسعيرة لم تعد مربحة. فهامش الربح تقلّص بشكل كبير بسبب تكاليف التخزين والنقل، وبقيت الحصص التي فتحتها الوزارة دون استعمال.
وعلى خلاف الوضع المحلي، يشهد سعر الموز عالمياً تراجعاً واضحاً بفضل وفرة الإنتاج. إذ يتراوح سعر الكيلو بين 0.5 و0.6 يورو حسب المناطق. ويُقدَّر السوق العالمي للموز بـ35 مليار يورو، بإنتاج سنوي يبلغ 135 مليون طن.
عادة ما تُستعمل واردات الموز في تونس لتنويع العرض وضمان التزويد خلال الفترات الفاصلة بين مواسم الإنتاج. وتخضع عملية التوريد لترخيص من وزارة التجارة، التي توزّع الحصص على مجموعة من المستوردين المعروفين. كما تلجأ الوزارة أحياناً إلى ديوان التجارة لاستيراد كميات بهدف التعديل، كما حدث في مارس 2024.
ومرة أخرى، تؤكد ممارسات السوق أنه كلما تدخّل الدولة في قطاع لتنظيمه، أصبح مختلاً أكثر. كما يؤكد غياب الموز عن الرفوف قوة لوبيات هذا القطاع.
فلوبي الفلاحين، عبر اتحاد الفلاحة وبعض الهياكل الأخرى، يرفضون بدورهم فتح حصص استيراد الموز كي لا تنافس وارداته موسم إنتاج الحمضيات المحلي، والذي يُتوقّع أن يكون جيداً هذا العام.
إن تحليل سوق الموز في تونس يفتح عدة مواضيع اقتصادية مهمة: التهريب، تنظيم الاستيراد، اللوبيات، التدخل الحكومي، تحديد الأسعار… لكن الحل يبدو بسيطاً: فتح السوق، ما يمكّن من الحدّ من التهريب واللوبيات والرقابة الاقتصادية.
في النهاية، المستهلك التونسي الذي لا يرغب في تناول الحمضيات أو يريد تنويع غذائه، يجب أن يجد على الأقل موزاً متاحاً في السوق.





