في كرة القدم، لا توجد معادلة ثابتة ولا نتيجة مضمونة مهما كانت قوة الفريق أو خبرته. فاللعبة لا تُدار بالقوانين الجامدة ولا تحكمها الحسابات الدقيقة، بل ترتبط بالظروف، اللحظات، الثقة، والحالة الذهنية للاعبين داخل الملعب. لذلك، ما حدث مع المنتخب الوطني مؤخّرًا لا يجب أن يكون سببًا للهجوم أو الأحكام المتسرعة على المدرب سامي الطرابلسي. بل على العكس، يجب أن نفهم السياق قبل الحكم، وأن نتعامل بعقلانية لا بانفعال.
الإنجازات السابقة لا تُنسى
قبل أي نقد أو لوم، يجب أن نتذكر ماذا قدم الطرابلسي للمنتخب. فقد قاد الفريق لتحقيق نتائج إيجابية استعاد بها المنتخب هويته التنافسية، ونجح في إيصال تونس إلى المونديال، وهو إنجاز لا يتحقق إلا بعمل متواصل ورؤية واضحة.
هذه النجاحات ليست تفصيلاً، ولا يمكن مسحها بسبب مباراة واحدة غير موفّقة. فالرياضة تعرف التذبذب في الأداء، لكن الثقة في العمل يجب أن تبقى ثابتة ما دام المشروع يسير في الاتجاه الصحيح.
مواجهة البرازيل والسياق الصعب ضدّ سوريا
مواجهة البرازيل كانت اختبارًا من مستوى عالٍ، وجاء الأداء فيها انعكاسًا لمنتخب لعب بثقة وهدوء وجرأة أمام مدرسة كروية عملاقة. لم يكن ذلك التألق صدفة، بل دليلاً على أن هذا المنتخب قادر على المنافسة متى توفرت له الظروف المناسبة. في المقابل، جاءت مباراة سوريا في سياق مغاير كليًا، تحضيرات محدودة، غيابات مؤثرة، وضغط نفسي ورياضي كبير بعد الظهور القوي أمام البرازيل. لذلك لا يمكن وضع المباراتين في مقارنة ميكانيكية باردة، فلكل مباراة ظروفها، ولكل سياق منطقه الخاص. كرة القدم ليست معادلة ثابتة ولا علما صحيحا، تُقاس بنفس الأدوات، بل لعبة تفاصيل، وتوقيت.
الأداء الفردي والمردود الجماعي للفريق
ورغم الظروف، ظهرت أسماء لعبت بروح عالية وقدّمت إشارات إيجابية، على غرار إسماعيل الغربي، بالرمضان ومعلول، الذين برهنوا أن المنتخب يملك طاقات شابة قادرة على تطوير الأداء والذهاب أبعد في المنافسة. هذه العناصر تجعل من تقييم المرحلة ضرورة، لكن بروح بنّاءة لا بصوت الأحكام السريعة.
التحديات المقبلة ودور الجمهور
المنتخب مازال أمامه مباراتان مهمّتان أمام فلسطين وقطر، لكل منهما طبيعتها وضغطها ورهانها الخاص. مواجهة فلسطين ستكون مباراة تفاصيل وصبر وتركيز، بينما ستكون مواجهة قطر اختبارًا من طراز مختلف، لأنها ستُلعب على أرض الخصم وأمام جمهور متعطّش للفوز بعد هزيمته الأولى. في مثل هذه اللحظات، لا يكون دور الجمهور ثانويًا ولا تجميليًا، بل عنصرًا حاسمًا في إعادة الثقة ورفع المعنويات: نحتاج الدعم لا التشكيك، المساندة لا الإدانة، والثقة بدل الهجوم والانفعال. المنتخب لا يخوض فقط مباريات، بل يبحث عن استمرارية، هوية، وهدوء… وهذه تُبنى معًا: فريقًا وشعبًا.
النقط مطلوب ولكن..
النقد مطلوب، بل ضروري، لكن بشروط واضحة: أن يكون هادئًا، عقلانيًا، بعيدًا عن الانفعال والتهجم. النقد البنّاء هو الذي يدعم ولا يهدم، يقوّم ولا يُجرّح، ويأتي بعد تحليل لا بعد لحظة غضب. وسامي الطرابلسي ليس مدربًا عابرًا في تاريخ المنتخب؛ هو رجل اشتغل بصمت، قدّم رؤية واضحة، ونجح في إعادة الهيكلة والهوية والأداء الجماعي. لذلك، ليس من المنصف أن تتحول مباراة واحدة إلى محاكمة أو تصفية حسابات أو تشكيك في قيمته وخبرته. فلنحافظ على رسالتنا بسيطة وواضحة: كرة القدم ليست علمًا صحيحًا أو نتيجة ثابتة، والهزيمة ليست نهاية الطريق. المنتخب اليوم بحاجة إلى دعمنا أكثر من أي وقت مضى، لا حكامًا قاسية أو ردود فعل لحظية.
عبد اللطيف بن هدية

















