في خضمّ الحركية الدبلوماسية التي تشهدها نيويورك بمناسبة انعقاد الجزء رفيع المستوى من الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، شدّ وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، الرحال إلى واشنطن حيث التقى يوم 28 سبتمبر 2025 مجموعة من أبناء الجالية التونسية المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية، من طلبة وكفاءات عاملة في مختلف القطاعات.
جالية فاعلة لا جالية متلقّية
اللقاء لم يكن بروتوكوليا فحسب، بل مناسبة لإبراز الدور المتنامي الذي تلعبه الجالية التونسية في أمريكا، حيث شدّد الوزير على أن أبناء تونس بالخارج لم يعودوا مجرّد مقيمين في “بلدان الاعتماد”، بل صاروا شركاء فاعلين في التعريف بصورة تونس الحضارية والثقافية، والمساهمة في دعم الجهد التنموي الوطني، سواء عبر تحويلاتهم المالية أو خبراتهم العلمية والفنية.
وأكد النفطي أن رئيس الجمهورية يولي أهمية خاصة لأبناء الجالية، حاثّا على توفير الإحاطة اللازمة لهم وتحسين ظروف إقامتهم والدفاع عن مصالحهم، بما يعكس عمق العلاقة بين الدولة وأبنائها أينما وُجدوا.
منصّة استماع وتفاعل
ما ميّز الزيارة هو الطابع التفاعلي، إذ أتاح الوزير الفرصة للكفاءات التونسية في الولايات المتحدة لتقديم تصوّراتها ومقترحاتها حول كيفية الإسهام في خدمة المصلحة الوطنية انطلاقا من مواقع عملها في الاقتصاد والثقافة والسياحة والبحث العلمي.
في المقابل، لم يتردّد الحضور في طرح أبرز مشاغلهم اليومية، من قضايا إدارية وقنصلية إلى إشكاليات الاندماج في بلد الإقامة.
ديبلوماسية متجدّدة
وخلال جلسة عمل جمعته بأعضاء السفارة التونسية بواشنطن، شدّد الوزير على ضرورة مضاعفة الجهود لتوسيع شبكة علاقات تونس داخل الأوساط السياسية والاقتصادية الأمريكية، وتطوير أدوات العمل الدبلوماسي بما يفتح آفاقا جديدة للشراكات الثنائية.
كما دعا إلى الابتعاد عن الروتين وإيجاد مقاربات مبتكرة تُعزّز صورة تونس لدى صانعي القرار والرأي العام في واشنطن.
خدمات قنصلية رقمية
الجانب العملي لم يغب عن أجندة الوزير، حيث اطّلع على سير عمل القسم القنصلي، وأوصى بتحسين الخدمات المسداة للجالية عبر تطوير برنامج “القنصلية الرقمية”، بما يُسهّل المعاملات الإدارية ويختصر المسافات ويستجيب لتطلعات التونسيين في أمريكا.
إشعاع تونس من بوابة الجالية
الزيارة مثّلت، في عمقها، رسالة سياسية ودبلوماسية مفادها أنّ الجالية التونسية بالخارج ليست مجرّد “رقم في الإحصائيات”، بل طاقة بشرية ومعرفية يمكن أن تتحوّل إلى رافعة حقيقية لإشعاع تونس دوليا وتعزيز حضورها في واحدة من أهم العواصم المؤثرة في العالم.
فمن قاعات الأمم المتحدة في نيويورك إلى أروقة السفارة التونسية في واشنطن، رسم الوزير محمد علي النفطي ملامح مقاربة جديدة أساسها دبلوماسية الجالية، حيث يصبح التونسي في الخارج، طالبا كان أو باحثا أو رجل أعمال، سفيرا فوق العادة لبلاده، وحلقة وصل حيّة بين وطنه الأم وبلد إقامته.