حنان العبيدي
صرّح رضا الزهروني، رئيس جمعية أولياء التلاميذ، لجريدة “الخبير” أنّ تعامل العائلات التونسية مع المدرسة العمومية يعكس فقدان الثقة فيها. وأوضح أنّ من يملك الإمكانيات المادية يتجه غالبًا إلى التعليم الخاص طلبًا للاطمئنان على أبنائه من حيث التأطير والظروف الأمنية وحتى النتائج الدراسية، في حين تبقى الفئات محدودة الدخل مجبرة على الالتزام بالمدرسة العمومية، وهو ما يستدعي التعامل مع مسألة استقرار واستمرارية الدروس بطريقة مسؤولة.
وأضاف الزهروني أنّ الكلفة المالية السنوية للكتب والكراسات والملابس والتنقلات، إضافة للدروس الخصوصية والأكل خارج المنزل، تثقل كاهل العائلات، ومع تآكل القدرة الشرائية، تتأثر الموارد المخصصة للتعليم بشكل مباشر، مما ينعكس على النتائج الدراسية. وشدّد على أنّ المال وحده لا يضمن النجاح، لكن غيابه يزيد من صعوبة العملية التعليمية.
وأشار الزهروني إلى أنّ الظروف المادية للمدارس، من سقوف آيلة للسقوط إلى نقص المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية، تؤثر على معنويات التلاميذ والأساتذة على حد سواء. وأضاف أنّ هذه التفاصيل البسيطة تمسّ كرامة التلميذ وتزيد من هشاشة المنظومة التعليمية.
وبيّن أنّ النجاح لا تحدده جودة الكتب أو الكراسات فقط، بل يرتبط بأداء المنظومة ككل، مشيرًا إلى أنّ خريطة النجاح في الامتحانات الوطنية تكشف تفاوتًا جهويا كبيرا، إذ تسجّل الجهات الساحلية أعلى نسب النجاح مقارنة بالمناطق الداخلية، حيث ترتفع نسب الانقطاع المبكر عن الدراسة إلى حوالي 100 ألف سنويًا. وأوضح أنّ هذا الواقع يضع 80% من أبناء تونس في مواجهة خطر الفشل، ويزيد من احتمالات الانحراف والعنف والهجرة غير النظامية.
وشدّد الزهروني على أنّ هذه الظواهر تكلف الدولة حوالي 3000 مليار دينار، أي ما يعادل 40% من ميزانية وزارة التربية، في حين تتحمل الأسر تكاليف مماثلة عبر الدروس الخصوصية لضمان نجاح أبنائها، وهو ما يعكس الربط المباشر بين القدرة المالية ونتائج التعليم.
وأشار إلى أنّ الإصلاح التربوي يجب أن يبدأ بالمرحلة الابتدائية، من خلال تبسيط البرامج، تخفيف عدد الكتب والكراسات، والتركيز على القراءة والكتابة والحساب والاحترام، إضافة إلى مراجعة الزمن المدرسي لتوفير وقت للأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية دون كلفة إضافية. وأوضح أنّ هذه الإجراءات البسيطة يمكن أن تضمن مسارًا دراسيًا سليمًا ومطمئنًا للتلاميذ.
وبيّن الزهروني أنّ المجلس الأعلى للتربية والتعليم هو الآلية الاستراتيجية لضمان تنسيق السياسات بين الوزارات المختلفة ووضع الرؤية الشاملة للتعليم من الابتدائي إلى التعليم العالي والتكوين المهني، مع مراعاة التخصصات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والبيئة، موضحًا أنّ أي تأخير في تفعيل هذا المجلس ينعكس مباشرة على أداء المنظومة التعليمية ومستقبل الأجيال.
وشدّد على أنّ الشأن التربوي شأن مجتمعي بامتياز، لا يقتصر على وزارة بعينها، بل يشمل وزارات الصحة والدفاع والتجهيز والتعليم العالي، إلى جانب المنظمات المهنية والأولياء والأساتذة، مؤكدًا أنّ التعاون بين جميع الأطراف أساسي لضمان إصلاح فعّال ومستدام.
وختم الزهروني حديثه متمنيًا عودة مدرسية سليمة وموفقة لكل التلاميذ، مؤكّدًا أنّ الحلول موجودة وفي المتناول، ولا تعتمد فقط على التمويل، بل على التنظيم، الحكمة، والرؤية الواضحة لمستقبل التعليم في تونس، مع ضمان استعادة المدرسة العمومية لدورها كضامن لتكافؤ الفرص لكل أبناء البلاد.