تُحيي تونس اليوم الجمعة 25 جويلية 2025 الذكرى الثامنة والستين لإعلان الجمهورية، وهو الحدث المفصلي الذي غيّر وجه النظام السياسي في البلاد بعد إلغاء النظام الملكي الحسيني وإعلان تونس دولة جمهورية، تُدار باسم الشعب وبمقتضى القانون. وقد جاء هذا الإعلان التاريخي في سنة 1957، بعد نحو سنة ونصف من حصول البلاد على الاستقلال عن فرنسا في مارس 1956، ليكون تتويجًا لمسار نضالي وطني طويل خاضه الشعب التونسي ضد الاستعمار منذ سنة 1881.
إعلان الجمهورية لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل مثّل لحظة تأسيسية لميلاد الدولة الوطنية الحديثة. وقد تضمّن نص الإعلان أربعة أحكام أساسية: أولها إنهاء النظام الملكي بصفة نهائية، وثانيها إعلان تونس دولة ذات نظام جمهوري، وثالثها تكليف رئيس الحكومة آنذاك الحبيب بورقيبة بمهام رئيس الجمهورية، ورابعها تكليف الحكومة باتخاذ جميع التدابير اللازمة لصيانة النظام الجمهوري.
شكل هذا التحول الجذري خطوة حاسمة نحو ترسيخ قيم المواطنة والمساواة بين التونسيين، رجالاً ونساءً، كما فتح المجال أمام تأسيس مؤسسات جديدة تقوم على سيادة القانون واحترام إرادة الشعب. وقد تزامن ذلك مع فترة إعداد أول دستور للبلاد، الذي صدر لاحقًا في جوان 1959، ووضع الإطار القانوني والسياسي للجمهورية الأولى.
إعلان الجمهورية لم يكن حدثًا معزولًا، بل جاء ضمن رؤية إصلاحية شاملة قادها الزعيم الحبيب بورقيبة، حيث رافق ذلك صدور مجلة الأحوال الشخصية في أوت 1956، والتي أحدثت نقلة نوعية في مجال الحقوق المدنية والاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بوضعية المرأة داخل المجتمع.
واليوم، بعد مرور 68 سنة على هذا التحول التاريخي، ما زال عيد الجمهورية يمثل مناسبة وطنية تستحضر من خلالها تونس رمزية القطيعة مع الحكم الوراثي، والانحياز إلى قيم الحداثة والمساواة والسيادة الشعبية. وتأتي هذه الذكرى في ظل ظرف سياسي واقتصادي دقيق، ما يجعلها فرصة للتفكير في مدى وفاء الدولة المعاصرة لمبادئ الجمهورية، وفي الحاجة المتجددة إلى ترسيخ قيم الديمقراطية، ودولة القانون، والعدالة الاجتماعية.
إن عيد الجمهورية لا يقتصر على الاحتفال بذكرى تاريخية، بل هو محطة سنوية للتأمل في مسار بناء الدولة الوطنية، واستحضار التضحيات التي قادت إلى ميلادها، والتأكيد على مسؤولية الأجيال الحالية في صون مكتسباتها وتطويرها بما يحقق طموحات الشعب التونسي.