أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي رسميًا إدراج دولة كوت ديفوار ضمن قائمتها السوداء للدول التي تُصنّف على أنها عالية المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في خطوة تعكس تصاعد القلق الأوروبي من التراخي المؤسساتي في مواجهة الجرائم المالية العابرة للحدود.
وجاء هذا التصنيف الأوروبي بناء على توصية من مجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، والتي أدرجت أبيدجان العام الماضي في ما يُعرف بـ”القائمة الرمادية”، مما يشير إلى وجود ثغرات تنظيمية كبيرة في نظامها المالي، دون أن تُظهر الدولة تقدّمًا كافيًا في معالجتها.
أسباب الإدراج: غياب الشفافية وضعف الإطار القانوني
وفي بيان رسمي، أوضحت المفوضية الأوروبية أن كوت ديفوار تعاني من نقص الشفافية في التحقيقات المتعلقة بالمعاملات المصرفية والمالية، بالإضافة إلى ضعف آليات الرقابة والإنفاذ القانوني، مما يسهّل تدفقات الأموال غير المشروعة ويعيق جهود مكافحة تمويل الجماعات المتطرفة.
وأشار البيان إلى أن هذا الوضع “يتطلب من جميع المؤسسات الأوروبية المعنية بالتعاملات والتحويلات المالية أن تتوخى أقصى درجات الحذر واليقظة عند التعامل مع كيانات من كوت ديفوار”.
لا تأثير مباشر على المساعدات التنموية
ورغم أن هذا التصنيف يحمل دلالات سلبية على صورة البلاد في الأسواق الدولية، يؤكد الخبراء أن القرار لا يطال المساعدات الإنسانية أو مشاريع التنمية المقدمة من الاتحاد الأوروبي وشركائه، حيث يتم فصل التعاون التنموي عن الاعتبارات العقابية المالية.
تحرك حكومي لمواجهة التصنيف
وفي أول رد فعل رسمي من أبيدجان، أعلن مسؤولون حكوميون عن تشكيل لجنة وطنية خاصة تتولى إعداد وتنفيذ خطة إصلاح شاملة وفقًا لتوصيات الاتحاد الأوروبي ومجموعة العمل المالي. وتهدف هذه الخطة إلى تسريع التحقيقات في قضايا غسل الأموال، وتوسيع صلاحيات الهيئات الرقابية المختصة.
وأكدت مصادر مطّلعة أن المفوضية الأوروبية أوصت بـ49 إجراءً تشريعيًا وتنظيميًا يجب تنفيذها للخروج من القائمة السوداء، من أبرزها:
تحديث قانون العقوبات المالية
إنشاء هيئات مختصة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
تعزيز التعاون الدولي في تبادل المعلومات المالية
الخطوة التشريعية التالية: تصديق البرلمان الأوروبي
وحتى يصبح التصنيف نافذًا داخل جميع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، يتطلب القرار تصديقًا من البرلمان الأوروبي خلال فترة لا تتجاوز 30 يومًا. وفي حال الموافقة، ستكون كوت ديفوار ملزمة بمواجهة تشديد إجراءات المراقبة والتدقيق المالي في كافة تعاملاتها مع الكيانات الأوروبية.
انعكاسات محتملة على الاقتصاد والاستثمار
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا القرار سيؤثر على ثقة المستثمرين الدوليين في البيئة المالية الإيفوارية، وقد يؤدي إلى تباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة في القطاعات المصرفية والعقارية. كما أن المؤسسات المالية الدولية ستعيد تقييم علاقاتها بكوت ديفوار، بما يتوافق مع الأنظمة الأوروبية الجديدة.
ختامًا: اختبار صعب لحكومة أبيدجان
يمثل هذا التصنيف تحديًا سياسيًا واقتصاديًا مزدوجًا لحكومة كوت ديفوار، التي تجد نفسها مضطرة الآن إلى الموازنة بين حفظ استقرار النظام المالي، وإجراء إصلاحات عميقة وسريعة تجنّب البلاد العزلة المالية الدولية.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية لوقف التدفقات غير المشروعة للمال، فإن إخراج كوت ديفوار من هذه القائمة لن يكون ممكنًا إلا من خلال إرادة سياسية جادة وتنفيذ فعّال للتوصيات الدولية، وهو ما ستتضح ملامحه خلال الأشهر المقبلة.