في إطار سعيها لتحقيق التنمية المستدامة وتقليل الآثار السلبية على البيئة، بدأت تونس في إدماج مبادئ الاقتصاد الدائري في القطاع الصناعي.
يمثل هذا التحول خطوة استراتيجية تهدف إلى تحسين قيمة الموارد وتقليل كمية النفايات، مما يساهم في التصدّي للتحديات البيئية التي تواجه البلاد.
* فماهو الاقتصاد الدائري؟ و ماهي الحاجة لاعادة تدوير النفايات؟ و كيف يمكن ادماج الاقتصاد الدائري في المجال الصناعي؟
يعتبرالاقتصاد الدائري نموذجا اقتصاديا يهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من النفايات من خلال إعادة الاستخدام والتدوير، و يختلف هذا النموذج عن الاقتصاد التقليدي الذي يعتمد على استهلاك الموارد دون مراعاة تأثير ذلك على البيئة، ففي الاقتصاد الدائري تُعتبر النفايات مواردا يمكن إعادة استخدامها، مما يؤدي إلى تقليل الضغط على الموارد الطبيعية.
* الحاجة إلى الاقتصاد الدائري
تواجه بلادنا تحديات بيئية عديدة، منها تزايد النفايات وتلوث المياه وندرة الموارد المائية…
وفقًا لتقارير وزارة البيئة، تزداد كمية النفايات التي تُنتج سنويًا مما يستدعي اتخاذ إجراءات فورية، و قد بيّنت الدراسات أن إدماج الاقتصاد الدائري في الصناعات يمكن أن يساهم بشكل كبير في معالجة العديد من القضايا في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجهها بلادنا، لذلك قامت وزارة البيئة بإدماج مبادئ الاقتصاد الدائري في القطاع الصناعي كجزء من استراتيجية شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، هذا التحول يعد خطوة حيوية تهدف إلى تقليل النفايات و تحسين كفاءة استخدام الموارد وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات الوطنية…
ووفقا لتقارير منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية، يمكن للاقتصاد الدائري أن يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى50% بحلول سنة 2030، إذا تم تطبيقه بشكل فعال.
* ضرورة دمج الاقتصاد الدائري
تواجه تونس تحديات بيئية جسيمة، حيث تصل كمية النفايات المنزلية إلى حوالي 2.5 مليون طن سنويًا وفقًا لتقرير وزارة البيئة، و يُعاد تدوير حوالي 15% منها فقط، بينما يُرسل الباقي إلى المصبات، و هو ما يشير إلى الحاجة الملحة لتحسين نظام إدارة النفايات ودمج الاقتصاد الدائري.
و لتحقيق ذلك تم اعداد دراسات تهدف إلى تطوير بنية تحتية متكاملة لإعادة التدوير، تشمل إنشاء 20 مركزا لإعادة التدوير في مختلف أنحاء البلاد بحلول سنة 2025 ستساعد في جمع وفرز النفايات بكفاءة، مما يزيد من نسبة المواد القابلة لإعادة الاستخدام.
* تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص
من المتوقع أن يساهم القطاع الخاص في تطوير حلول مبتكرة، فوفقًا لدراسة أجرتها غرفة التجارة والصناعة يمكن أن يستثمر القطاع الخاص ما يقارب من 300 مليون دينار في مشاريع الاقتصاد الدائري خلال السنوات الخمس المقبلة.
و من جهتها تعتزم الحكومة دعم الشركات الناشئة والمشاريع الابتكارية من خلال تقديم حوافز مالية مع تسهيل الوصول إلى التمويل، حيث يُتَوَقّعُ أن يزيد عدد المشاريع الناشئة في هذا المجال بنسبة 25% بحلول سنة 2026.
* تحسين الكفاءات و خلق فرص عمل
يمكن أن يؤدي إدماج الاقتصاد الدائري إلى تحقيق مكاسب متتالية تصل إلى نسبة 20% من تكاليف الإنتاج، و من المتوقع أن تخلق المبادرات الجديدة في الاقتصاد الدائري نحو 15 ألف وظيفة جديدة في السنوات الخمس المقبلة، مما يساهم في تخفيض نسبة البطالة.
* تجارب ناجحة
تشهد تونس بالفعل بعض التجارب الناجحة في إدماج الاقتصاد الدائري، وعلى سبيل المثال قامت احدى شركات النسيج بإعادة استخدام 40% من مخلفاتها في إنتاج منتجات جديدة، مما ساهم في تقليل التكاليف وتحقيق أرباح ملحوظة.
وتتطلع تونس إلى أن تصبح نموذجًا يحتذى به في منطقة البحر الأبيض المتوسط في مجال الاقتصاد الدائري بحلول سنة 2030، كما تهدف الحكومة إلى تحقيق نسبة 30% من المواد المعاد تدويرها من إجمالي النفايات المنتجة، مما سيساهم في تحسين الوضع البيئي والاقتصادي للبلاد.
و على هذا الأساس فإن إدماج الاقتصاد الدائري في المجال الصناعي بتونس يمثل فرصة فريدة لتحسين الاقتصاد وحماية البيئة من خلال تعزيز الوعي و تطوير البنية التحتية وتقديم الدعم المالي… كما يمكن لتونس أن تسير نحو مستقبل أكثر ابتكارًا، حيث لا يعتبر الاقتصاد الدائري وسيلة لتقليل النفايات فقط، بل أيضا نموذجا يعيد تشكيل الصناعات ويُعزز من الاقتصاد الوطني.
نجلاء العوني