إصلاح النظام الجبائي التونسي.. رحلة نحو العدالة و الفعالية و القضاء على التهرب

يشهد النظام الجبائي التونسي منذ ثورة 2011 مسار إصلاح هام يهدف إلى تحقيق العدالة والفعالية. تهدف هذه الجهود إلى تبسيط النظام الضريبي، وتعزيز الامتثال، ومكافحة التهرب الضريبي، وتحفيز النمو الاقتصادي.
هذا و لا بد من الاستجابة لاحتياجات تونس المتطورة، و السعي لخلق بيئة اقتصادية جاذبة و مستدامة.
في هذا الإطار كان لا بد من البحث عن أنجع السبل التي تقودنا نحو إصلاح جبائي ناجع و فعال، و قد اختلفت في هذا السياق الإجابات و الاقتراحات.. و جميعها بوادر و مبادرات تدل على أن كل من حاورناه متمكن من المنظومة الجبائية في تونس و قادر على تقديم الإضافة و الفائدة المرجوة.
و كانت البداية مع السيد الأسعد الذوادي رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين الذي قدم جملة من المقترحات القادرة فعلا على تغيير المنظومة الجبائية في تونس.
* تصنيف المطالبين بالأداء لثلاث أصناف
لماذا فكرت الدول المتقدمة في تصنيف المطالبين بالأداء؟
اتخذت العديد من الدول المتقدمة سواء كانت عربية أو غربية قرارا بتصنيف المطالبين بالأداء، حتى تتفادى إدارة الأداءات بما هي مؤسسة مكلفة بالمراقبة الجبائية تضييع الوقت، إذ في غياب التصنيف قد تجد الإدارة نفسها إزاء مراقبة من هم منضبطون في خلاص ما عليهم من أداءات، و هؤلاء ملتزمون بالتصاريح و الشفافية و النزاهة… و مراقبتهم لا تعود على الإدارة سوى بتضييع الوقت و الموارد المادية و البشرية!
في حين أن من تحيط بهم المخاطر الجبائية و المتهربين قد يكونون بمنأى عن المراقبة، لأن الإدارة لم تصنف المطالبين بالأداء، علما و أن هذه المقاربة مبنية أساسا على المخاطر، و بالتالي على الإدارة أن تتوجه منذ البداية نحو الأشخاص الذين تحيط بهم المخاطر أي المتهربين الجبائيين الذين يهددون استقرار الخزينة العامة و موارد الدولة.
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف المطالبين بالأداء لثلاث اصناف، كالتالي:
1- صنف وضعه المالي جيد و منضبط جبائيا، هذا الصنف لا تتوجه إليه الإدارة و لا تراقبه لأنه منضبط بأداء ما عليه من التزامات جبائية.
2- صنف منضبط جبائيا و لكنه يمر بصعوبات مالية، هذا الصنف في حاجة لمساعدة الإدارة من خلال برنامج محكم، و هذا الإجراء لا بد من اتخاذه دون أدنى تأخير، فهذا الصنف منضبط و من مصلحة الإدارة أن تنقذه و تحافظ عليه بما هو مورد من مواردها، خاصة و أن تاريخ الأشخاص المنتمين لهذا الصنف يثبت قطعا بأنهم منضبطون جبائيا.
3- صنف المتهربين، و هو الصنف الذي يجب على الإدارة الجبائية أن تركز كل جهودها الرقابية نحوه، و هنا بالتحديد نجني ثمار هذا التصنيف الذي يجنب الإدارة تضييع الوقت و استنزاف الموارد فيما لا يعني.
– هل صنفت تونس المطالبين بالأداء؟
لم تحرص تونس على تصنيف المطالبين بالأداء، و هو ما أوقعها في مطب العمل العشوائي، و الدليل على ذلك أنه تم في عدة مناسبات برمجة المراجعة المعمقة في حق شركات ملتزمة جبائيا، فلم تُحَصّل منهم الإدارة أي شيء يذكر.
تضمن المقاربة المبنية على المخاطر توجه الإدارة نحو كل من يشكل خطورة كبيرة على موارد الدولة و الخزينة العامة، عوض مراقبة الشركات المنظمة و الشفافة و المنضبطة، فهذه الشركات لا تحتاج للرقابة لأنها و بكل بساطة تراقب نفسها بنفسها فتظل بعيدة كل البعد عن هذه المخاطر.
عملية تصنيف المطالبين بالأداء تضع فلسفة إدارية تجنب الدولة الوقوع في مغبة تضييع الوقت.
* تقييم نجاعة القوانين
من جهة أخرى لا بد من تقييم نجاعة القوانين و النظر بتمعن في مسألة تأدية النص القانوني للغرض الذي صيغ من أجله، و في حالة عدم استجابة القانون لتحقيق هدف ما يجب أن تقع مراجعته، و هنا نأتي لمربط الفرس فالمتهرب الجبائي الذكي يحرص كل الحرص على إيداع تصاريحه في الآجال المضبوطة، و بهذا الشكل يفلت من رقابة و انتباه الإدارة، و ذلك بحكم أن الأشخاص الذين لا يودعون تصاريحهم الجبائية نسبتهم تفوق ال50 في المئة، و بالتالي الإدارة لا تنظر لهؤلاء على أساس أنهم متحيلون جبائيون، بموجب التزامهم بإيداع التصاريح الجبائية و تقديمها في آجالها القانونية، و يدل عكس هذا التصرف على إمكانية وقوع المتحيل الجبائي تحت أنظار رقابة الإدارة، و تعد التصاريح من المؤشرات التي تستعملها الإدارة عند ضبط برنامج المراجعة الجبائية المعمقة، حيث يُمَكّن هذا البرنامج من اختيار مجموعة من المطالبين بالأداء لتعمل عليهم الإدارة، و نذكر من جملة المؤشرات الأخرى الخسارة و فوائض الأداء و غيرها…
تبقى كل هذه المؤشرات بلا فائدة، بل إن المتهرب الجبائي تمكن من إيجاد العديد من الحيل للالتفاف حولها و استخدامها لصالحه للتهرب من الجباية، و هنا نؤكد من جديد على ضرورة تقييم نجاعة النصوص التشريعية و الترتيبية، عملا بما اعتمدته فرنسا منذ سنة 2002 من خلال التعويل على تقييم نجاعة النصوص القانونية و الأحكام الجبائية، و كانت كندا قد سبقت فرنسا نفسها منذ سنوات طويلة في مسألة تقييم نجاعة القانون، و العمل بهذه المقاربة التي تضع بين يديها آلية لتقييم نجاعة المؤشرات و القوانين، و تمت الإشارة لكل هذا صلب تقرير أعده مجلس الضرائب سنة 2002 مستشهدين بالتجربة الكندية.
تمكنت كندا منذ سنوات من التقدم شوطا كبيرا فيما يتعلق بتقييم نجاعة القوانين، و هو ما دفع الإتحاد الأوروبي لإرساء إدارة كاملة تعنى بنجاعة التشريع الأوروبي.
يتميز الأوروبيون بقدرتهم العالية على التشريع القانوني، و نستدل على ذلك بالتوصية الأخيرة التي أصدرها الإتحاد بخصوص حماية المبلغين عن الفساد، و بالأخص التحيل و الفساد الجبائي، حيث وردت هذه التوصية في 40 صفحة، مع مدة امهال بسنتين لكل دولة عضوة في الإتحاد لإصدار قوانين تلائم هذه التوصية.
يعتبر القانون الفرنسي من بين أفضل القوانين التي صدرت في حماية المبلغين عن الفساد، و ذلك بفضل اعتماد التوصية الأوروبية و مزيد تطوير هذا القانون أكثر، خاصة بعد فضيحة لكسمبورغ، و هي فضيحة تَحَيّل جبائي أُوقِفَ فيها مُبَلّغَانِ عن الفساد مما ساهم في تحرك المجتمع المدني احتجاجا ضد إيقاف المبلغين عن الفساد و التنكيل بهم.
* القانون عدد 10 لسنة 2017
شخصيا أصنف قانون تونس لسنة 2017 كنص مشلول و معطل، بسبب ربط التبليغ عن الفساد و حماية المبلغين بوجود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، و قد أغلقت هذه الهيئة أبوابها و بالتالي القانون عدد 10 لسنة 2017 أصبح اليوم معطلا.
إذن لا سبيل لانتعاش الجباية التونسية سوى عن طريق إيجاد آلية تبليغ عن المتهربين الجبائيين، و منح المبلغين مكافآت مالية، و قد صدر أول قانون داعم لهذه الفكرة في البلدان المتقدمة سنة 2007، و أصدره الكونغرس الأمريكي من خلال إحداث ديوان التبليغ عن التهرب الجبائي، و هو ديوان كامل تم إحداثه سنة 2007 بالولايات المتحدة الأمريكية، و يرصد الديوان مكافأة تتراوح بين 10 و 30 في المئة يتحصل عليها المبلغ عن التهرب الجبائي.
نجح هذا الديوان في معالجة اشكالية التهرب الجبائي، كما ساهم في خلق حركة جديدة في القانون، إذ برز محامون متخصصون في قضايا التبليغ عن الفساد، و هكذا أصبح المواطن يتوجه إلى المكاتب المتخصصة في التهرب ليتولى المحامي قبول الشكوى و ايصالها للجهة المعنية بالأمر.
تبنت فرنسا بدورها هذه التجربة منذ سنة 2017، ثم تلتها كل من كندا و أستراليا و ألمانيا.
من جهة أخرى قامت الأردن بإرساء منصة للتبليغ عن المتهربين الجبائيين باستخدام الهاتف أو الأنترنت، و نفس الشيء بالنسبة للملكة العربية السعودية.
لا بد أيضا من إنشاء منصة للتبليغ عن الجرائم بمختلف أنواعها، سواء كانت بيئية مالية اقتصادية أو اتجار بالبشر… كما يجب أن تحتوي كل وزارة على منصة للتبليغ عن الجرائم و أعمال الفساد.
تكلف الديون و التهرب الجبائي الخزينة العامة أكثر من 30 ألف مليار، و منذ سنة 2011 إلى يومنا هذا يمكن حصر هذه الموارد الضائعة في مبلغ مالي قدره 390 ألف مليارا، إلى جانب الأموال المهربة.
* مقترح الجواز الجبائي
على غرار ما شهدناه فترة الكوفيد، حيث ألزمت الحكومة التونسية كل مواطن باستخراج جواز صحي يثبت سلامته الصحية، لا بد لنا اليوم من اعتماد الجواز الجبائي من أجل الإنتفاع بخدمات المرفق العمومي، و بالتالي كل من لا يملك هذا الجواز لا يتمتع بأي مرفق، بما في ذلك استخدام الطريق العمومي و الرصيف، فهذه المرافق العمومية حكر على من يمتلك الجواز الجبائي و يحرص على إيداع تصاريحه الجبائية، و كل مخالف لهذه البنود قد يعرض نفسه للعقاب السجني.
الجواز الجبائي عبارة عن دليل على امتلاك شخص ما للموارد البشرية و الإمكانيات، و هو حل ناجع أمام النقص الكبير على مستوى المراقبين، بل إن كل موظفي المرفق العمومي يتحولون إلى مراقبين جبائيين بصفة مجانية خالصة، فالمواطن الذي يقصد البلدية أو القباضة المالية و غيرها من الإدارات الأخرى لقضاء حاجة ما، يطالب بالإستظهار بالجواز الجبائي، و في حالة غيابه يحق للإدارة الإمتناع عن تقديم أي خدمة لمن لا يملك جوازا من هذا النوع.
منح الجواز الجبائي لا يعني أن صاحبه منضبط جبائيا، و إنما يفيد بأن حامل هذا الجواز قد أودع تصاريحه الجبائية فقط، و سيمكن الجواز من التعرف إلى كل المطالبين بالأداء في البلاد التونسية، علما و اننا إلى حدود اليوم لا نعرف عدد الأشخاص المطالبين بدفع الأداء في هذا البلد! و الإدارة الجبائية بدورها لا إدراك لديها بعدد الأشخاص المطالبين بإيداع تصاريحهم الجبائية.
كل هذه المشاكل لا حل لها سوى عن طريق تطبيق مقترح الجواز الجبائي حسب قول السيد الأسعد الذوادي، لأن المواطن التونسي سيجد نفسه عاجزا عن قضاء حاجاته الإدارية بدون حمل الجواز الجبائي، بما هو وثيقة رسمية تبين مدى التزامه بدفع ما عليه من اداءات، و لا يمكن لأي شخص أن ينتفع بالمرافق العمومية إلا بعد إيداع كل تصاريحه الجبائية.
و لا يترشح للمناصب العامة سوى من كان يملك جوازا جبائيا و أودع كل تصاريحه الجبائية.
و في سياق متصل تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أحرص الدول على الضريبة، إذ لا يمكن لأي مواطن أمريكي أن يفلت من دفع ما عليه من اداءات، فالضريبة لدى الأمريكيين كالموت لا يمكن الإفلات منها أو تجنبها، و هذا ما يفسر عدم سعيهم للترشح لشغر المناصب الهامة، لأنهم يصبحون عرضة للبحث في تاريخهم الضريبي، و من يثبت عليه التهرب الجبائي، يصبح معرضا لشتى أنواع العقاب الصارم.
* السجل الوطني للمتهربين الجبائيين
يتعلق هذا المقترح بسجل خاص بكل متهرب جبائي أو ممارس للغش و الجرائم المالية.. حيث لا بد من التشهير بهذه الفئات، على نحو ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يتم وضع صورة المتهرب الجبائي مرفقة بمعطياته الشخصية و نشرها على مختلف مواقع الواب كنوع من التشهير به، و هذا الأمر ينص عليه القانون الأمريكي على مستوى كل ولاية.
لم يقتصر هذا الأمر على الولايات المتحدة الأمريكية، و إنما أصبح معمولا به في جنوب إفريقيا و كندا و بريطانيا…
كما اعتمدت الجزائر هذا السجل منذ سنة 2009 ضمن قانون المالية التكميلي، تحت مسمى السجل الوطني لممارسي الغش، مما يخول للدولة الشقيقة أن تشهر بالمتهربين الجبائيين، حيث يوضع هذا السجل للعموم، لما له من وظيفة ردعية كبيرة، إذ يمكن لمثل هذه المؤسسة أن تساهم بشكل كبير في عدم استفحال التهرب الجبائي، ففي كندا على سبيل المثال يمكن أن تصل العقوبة لإنهاء المسيرة المهنية لطبيب أو محامي أو مهندس… و في حال كانت العقوبة مخففة فإن التشهير في حد ذاته يضع أصحاب هذه المهن في مأزق كبير فيفقدون ثقة حرفائهم و يصبحون في مقام المنبوذين.
رغم اقتناعها الراسخ بوجود عدة هنات في النظام الجبائي التونسي، فإن الدكتورة و مدرسة القانون الجبائي في الجامعة التونسية أماني الخزوري ارتأت التركيز على نقطتين مهمتين في الاصلاح الجبائي ألا وهما، إعادة النظر في العلاقة بين المكلف بالضريبة و إدارة الجباية من ناحية، و العمل على تحلي المكلف بالضريبة بدرجة كبيرة من الوعي والمواطنة الجبائية من ناحية أخرى.  * إعادة النظر في العلاقة بين المكلف بالضريبة و إدارة الجبايةهناك اعتقاد راسخ يفيد بأن الاصلاح الجبائي لا يمكن أن يتحلى بالنجاعة المطلوبة ما لم نحدث ثورة حقيقية في طبيعة العلاقة بين المكلف بالضريبة و إدارة الجباية.وجب إذن أن نرسم ملامحا جديدة للعلاقة بين الطرفين يكون قوامها الثقة المتبادلة، و بذلك نلغي كل خوف و توجس و حذر مبالغ فيه بين المكلف بالضريبة و إدارة الجباية، و بهذا الشكل نندرج ضمن المسار الساعي لتطوير المرفق العام و عصرنته ليصبح في خدمة المواطن تلبية لتطلعاته التي لا بد من ايلائها أهمية قصوى.لا بد للإصلاح الجبائي أن يرتكز على تغير نظرة إدارة الجباية تجاه دافع الضريبة من نظرة أحادية الأبعاد إلى نظرة ثلاثية الأبعاد. فالمواطن هو نفسه دافع الضرائب والمصرح بها، وهو الذي يراقب كيفية استعمال الدولة للمال الذي منحه إياها، و بالتالي المواطن نفسه من ينتفع بالمرفق العام، حيث أصبح من الضروري لهذا المرفق أن يكون ذا جودة عالية تستجيب لانتظار دافع الضريبة.من المنطقي إذن أن تكون هذه الأبعاد الثلاث مؤشرات يجب اعتمادها لإرساء و تقييم الاصلاح الجبائي المرتقب.لتحقيق هذا الغرض على الادارة أن تسعى جاهدة لعصرنة هياكلها بمزيد من الرقمنة على مستوى جميع المرافق المسداة، بحيث تكون الرقمنة استراتيجية و عقلية، ولا تقتصر فحسب على بعض الخدمات، ولما لا إنشاء مساعد افتراضي un chatbot قائم على الذكاء الاصطناعي، يستقبل ويجيب بصفة حينية و مشخصنة عن أسئلة واستفسارات دافعي الضرائب، مما يسهل عليهم المادة الجبائية التي يعتبرونها  شديدة التعقيد.إرساء الرقمنة و عصرنة الإدارة يُمَكّنُ من تبسيط العلاقة بين المكلف بالضريبة و إدارة الجباية، ليتحرر المواطن بذلك من العلاقة العمودية التي تجعله إزاء أشخاص و وثائق لا يفقه منها شيئا بالمرة.في مرحلة ثالثة يجب على الاصلاح الجبائي المنشود أن يتمكن من تغيير العلاقة بين المكلف بالضريبة و إدارة الجباية من علاقة أحادية ينظر فيها لدافع الضرائب كشخص غير مسؤول يتمتع بثقة محدودة أو ربما متهرب محتمل إلى علاقة تعاقدية قائمة على الثقة المتبادلة. وبالتالي تكون إدارة الضرائب مستعدة لتوفير مزيد من الأمان القانوني مقابل سلوك مثالي ومواطنة جبائيه عالية من قبل دافع الضريبة. لأنه يدفع تلك الأموال لتعود إليه في شكل مرافق عمومية تهدف لخدمته و رفاهيته، من جهة أخرى هذه الثقة المتبادلة من شأنها أن تقلص الأخطاء الجبائية و النزاعات القضائية.الاصلاح الجبائي الناجح يجب أن يتمكن من ارساء مناخ يجعل المكلف بالضريبة يتحلى بدرجة كبيرة من الوعي والمواطنة الجبائية.* الوعي و المواطنة الجبائية
كيف تُساهم المواطنة الضريبية في زيادة الامتثال الضريبي؟
تلعب المواطنة الضريبية دورًا هامًا في تعزيز الامتثال الضريبي من خلال:
1- التعليم والتثقيف الضريبي
يمكن للمواطنين تعزيز الوعي الضريبي عن طريق التعليم والتثقيف حول النظام الضريبي، وفهم الالتزامات و الحقوق الضريبية من خلال نوادي المواطنة الجبائية التي تبدأ من المدرسة الابتدائية.
تهدف هذه النوادي إلى تعزيز الوعي و القيم الضريبية الإيجابية بين التلاميذ منذ سن مبكرة، وتشجيعهم على فهم أهمية الالتزام الضريبي، و دورهم كمواطنين في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2- التقديم الفعّال للإقرارات الضريبية
من خلال تقديم الإقرارات الضريبية بدقة وفي الوقت المحدد، يمكن للمواطنين المساهمة في تقديم المعلومات الصحيحة وتقديم الضرائب المستحقة.
3- التعاون مع السلطات الضريبية
يمكن للمواطنين التعاون مع السلطات الضريبية من خلال الاستجابة للاستفسارات، وتقديم الوثائق والمعلومات المطلوبة بشكل موثوق، والتواصل بشكل واضح ومباشر.
4- الإبلاغ عن التهرب الضريبي
في حالة ملاحظة أو اكتشاف أنشطة تهرب ضريبي، يمكن للمواطنين الإبلاغ عنها للسلطات المختصة، مما يساهم في تحسين الامتثال الضريبي وضمان عدالة النظام الضريبي.
5- المشاركة في العمليات الديمقراطية
عن طريق المشاركة في العمليات الديمقراطية وتقديم الآراء والمقترحات، يمكن للمواطنين المساهمة في صياغة السياسات الضريبية التي تعزز العدالة والشفافية.
* اصلاح التشريعات
و ذلك من خلال:
تنوير و تكوين و تثقيف المشرعين من خلال دورات تدريبية مختصة لأعضاء اللجان التشريعية.
تكريس عدالة جبائية حقيقية.
تبسيط التشريع الجبائي و ذلك باستبعاد وتنقية النصوص المعقدة و المكررة و المتضاربة.
تحسين صياغة النصوص الجبائية من خلال بعث اختصاصات جامعية تعنى بتدريس علوم تحريـــر و صياغة النصوص القانونية.
التقاضي والنزاعات الجبائية
إعادة هيكلة التنظيم القضائي الجبائي من خلال حذف الازدواجية القضائية في المادة الجبائيـــة.
تدعيم الضمانات القضائية للمطالب بالأداء من خلال إخضاع عمليات المراقبة الجبائية التي لها مساس بالحريات الفردية إلى رقابة القضاء كما هو معمول به في القانون المقارن.
تنوير و تثقيف المطالبين بالأداء من خلال النشر الحيني لأهم القرارات و الأحكام الصادرة في المادة الجبائية على مواقع الواب الرسمية كما هو معمول به في فقه القضاء المقارن.
تحسين  إدارة الضرائب
الحرص على نزاهة و شفافية و كفاءة أعوان إدارة الجباية.
نشر المعلومة الجبائية على أوسع نطاق ممكن، و خاصة نشر كل ما يتعلق بالفقه الإداري الجبائي دون استثناء باستعمال وسائل الاتصال.
تكريس إلزامية إبداء الإدارة الجبائية لرأيها حول الطلبات المقدمة من المؤسسات التي تعرض حلولا جبائية لوضعيات معينة و تستوضح بشأنها، و في صورة انقضاء أجل قانوني محدد من تاريخ عرض الحل على الإدارة و عدم رد هذه الأخيرة فإن المؤسسة تصبح محقة في اعتماد ذلك الحل، و هي تقنية قانونية أقرتها العديد من القوانين المقارنة.
تفعيل دور المجلس الوطني للجباية من خلال إلزامه بإعداد تقارير، يقع نشرها للعموم، لتقييم جــدوى و فاعلية القوانين الجبائية المتخذة.
ترى الدكتورة أماني الخزوري أن أهم نقطة يجب أن يركز عليها الإصلاح الجبائي ليكون ناجعا، أن يكون في إطار مقاربة و استراتيجية شاملة ومتناغمة .
فالحلول الترقيعية التي دأبت الحكومات المتعاقبة على اقتراحها صلب قوانين المالية لم تأت بأكلها، حيث مازال نظامنا الجبائي يشكو إلى حد اليوم العديد من الهنات التي جعلته يفقد إلى حد كبير نجاعته، و ربما أيضا مشروعيته لدى دافعي الضرائب وعموم المواطنين.
التقييم الدائم للإصلاح الضريبي
يجب أن يعتمد هذا التقييم على مؤشرات محددة وكمية لقياس أثر السياسة الضريبية على مختلف جوانب الاقتصاد والمجتمع.
أهمية التقييم الدائم:
قياس الأثر الحقيقي: يسمح التقييم الدائم بتحديد ما إذا كانت أهداف الإصلاح الضريبي قد تحققت بالفعل. على سبيل المثال، هل أدى الإصلاح إلى زيادة الإيرادات الضريبية؟ هل أدى إلى تحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة؟ هل أدى إلى تقليل الفقر وعدم المساواة؟
تحديد نقاط القوة والضعف: يساعد التقييم الدائم في تحديد نقاط القوة والضعف في الإصلاح الضريبي. يمكن استخدام هذه المعلومات لتحسين التصميم والتنفيذ للسياسة الضريبية بمرور الوقت.
تعزيز المساءلة: يُساهم التقييم الدائم في تعزيز المساءلة من خلال توفير معلومات حول كيفية استخدام الأموال الضريبية وكيف تؤثر السياسة الضريبية على مختلف أصحاب المصلحة.
بناء الثقة: يمكن أن يؤدي التقييم الدائم إلى بناء الثقة في النظام الضريبي من خلال إظهار أن الحكومة ملتزمة بتصميم سياسات ضريبية فعالة وعادلة.
إنّ التقييم الدائم للإصلاح الضريبي أداةٌ ضرورية لضمان فعاليته واستدامته. يجب أن يعتمد هذا التقييم على مؤشرات محددة وكمية لقياس أثر السياسة الضريبية على مختلف جوانب الاقتصاد والمجتمع. من خلال التقييم الدائم، يمكن للحكومات تحسين تصميم وتنفيذ سياساتها الضريبية بمرور الوقت، وتعزيز المساءلة، وبناء الثقة في النظام الضريبي.
من جانبه ارتأى المستشار الجبائي “أنيس بن سعيد” أن الإصلاح الجبائي الفعال لا بد أن ينطلق من الدولة، و ذلك من خلال تطبيق القانون على نفسها.
* الدولة لا تحترم القانون!
إذا احترمت الدولة القانون حينها يمكن أن نجعل المطالب بالأداء يحترم القانون كما ينبغي، و لكن للأسف الشديد الدولة نفسها لا تحترم القانون، و هذا ما نلاحظه من خلال الخصم على الأجور، الذي يتجلى في العمل بمنظومة إنصاف التي لا تحترم الجدول الضريبي، ناهيك أن الموظف حين يستخرج شهادة في الخصم من المورد للتصريح الجبائي يجد متخلدات في الذمة لا بد من خلاصها، و هذا دليل على أن الدولة ترفع في الأجور بصفة ضمنية، و هنا نكتشف غياب المساواة فيما يتعلق بالضرائب بين القطاعين العام و الخاص.
لا بد للدولة أيضا من تطبيق القانون على نفسها في كل ما يتعلق بالإمتيازات العينية، على غرار وصولات البنزين، فالوزير مثلا يحصل على ألف لتر من البنزين دون الخضوع للضريبة على الدخل، بينما في القطاع الخاص تخضع للضريبة على الدخل، و بالتالي لا بد من مراجعة مثل هذه القوانين أو فرض احترامها على صعيد كل الأطراف بما في ذلك الدولة التي لا تلتزم بتطبيق القانون.
* ضرورة مراجعة الواجبات الجبائية للمطالب بالضريبة
من جهة أخرى لا بد من مراجعة الواجبات الجبائية للمطالب بالضريبة، لأن المطالب بالضريبة يؤدي ما عليه من ضرائب و يجد نفسه مجبرا على شراء مختلف التطبيقات لقضاء حاجياته، و هذا الأمر يمثل عبئا ماليا ثقيلا قد لا يقدر كل الأشخاص على تحمله.
* إعادة بناء الثقة بين المواطن و الدولة
لا بد من خلق مناخ ثقة بين المطالب بالأداء و الدولة، فالعبئ الجبائي كبير جدا تقابله خدمات ضعيفة من الدولة، و كأن الدولة تخلت تماما عن واجباتها فيما يتعلق بالتعليم و الصحة و النقل، فهذه المرافق تكاد تنهار لما لحقها من دمار و تخلف، و هو ما يجعل من الضرائب التي يدفعها المواطن بدون معنى، ما دامت لا تُوَظّف لإصلاح و تطوير المرافق العمومية، و هو ما دفع أولياء الأمور لتحويل أبنائهم من التعليم العمومي إلى التعليم الخاص، أو تداوي المرضى في المصحات أو لدى العيادات الخاصة عوض المستشفيات، و كل هذا يأتي كنتاج لتدني جودة الخدمات على مستوى المرفق العمومي، لذلك لا بد من المراجعة لإنهاء مثل هذه المهزلة، عن طريق حوكمة المداخيل الجبائية بالتخفيض في التبذير على مستوى عدة قطاعات تشهد استخداما عاليا للسيارات الإدارية و وصولات الوقود، علما و أن كلفة صيانة هذه السيارات تقع على عاتق الدولة.
إن إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة مسؤولية مشتركة، إذ يجب على الحكومات بذل جهد أكبر لتحسين جودة الخدمات العامة وكفاءة استخدام أموال الضرائب.
في المقابل يجب على المواطنين التعاون مع الجهود الحكومية من خلال دفع الضرائب بانتظام ومراقبة استخدام الأموال العامة.
* تقييم مردودية النصوص الجبائية
ثبت أن هناك العديد من النصوص القانونية التي لم يقع تقويمها، لذلك لا بد من تقييم مردودية النصوص الجبائية.
يقع كل سنة إخراج ما بين 50 و 60 إجراء، و قد تجاوزنا منذ الثورة الألف إجراء، و لم تضف هذه الإجراءات شيئا سوى أنها عقّدت أكثر المنظومة الجبائية على المهنيين و المطالبين بالأداء و الإدارة.
يساهم عدم استقرار القوانين في تعقيد المنظومة الجبائية، و هذه النصوص عدا أنها كثيرة هي أيضا معقدة جدا، يستعصي فهمها أحيانا على المهنيين، فما بالك بالمواطن العادي الذي يجد نفسه أمام نصوص متشعبة، نص يقود نحو نص آخر و هكذا دواليك.
كما يمكن لاقتراحات مثل تقسيم المطالبين بالأداء و الجواز الجبائي أن تثبت للدولة أن وضعية مواطنيها سليمة جبائيا، و هكذا يتمتع المواطن بخدمات الدولة دون أدنى تقصير، كما أنه ليس من العدل أن يتمتع المتهرب الجبائي بخدمات الدولة مثله مثل من يواظب و يلتزم بالضريبة.
إن إصلاح النظام الجبائي التونسي رحلة طويلة تتطلب جهداً من جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومة والمواطنين والقطاع الخاص.
من خلال العمل معاً يمكننا خلق نظام ضريبي عادل وفعال يُساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تونس.
بلال بوعلي
شارك المقالة

Read Previous

الانتقال الايكولوجي.. 53 اجراء  لاستدامة الموارد الطبيعية و الحماية من الجفاف و التصحر

Read Next

موقع تونس في خضم التحولات العالمية.. تحديات وف

Most Popular