يعتبر التمويل البديل ذو أهمية كبرى، و نحن نعلم جميعا بأن الدولة في حاجة ماسة إلى التداين الخارجي، و هذا الأمر تفرضه أحيانا هيكلة المالية العمومية. لكن يجب التفكير أيضا في الطرائق التي نسلكها في إنجاز المشاريع، لأن التمويلات عندما يتم استغلالها في إنجاز المشاريع، أفضل بكثير من ضخها في الباب الأول من الميزانية. زد على ذلك أن تمويل المشاريع يوفر القيمة المضافة. و يمكن أن يساهم التداين الخارجي في الحد من تمويل المشاريع و ذلك باستعمال آلية الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص. كما أن هناك عدة طرق بديلة لتمويل المشاريع العمومية.
تم سن قانون الشراكة بين القطاعين العام و الخاص سنة 2015، كما تم سن قانون اللزمات سنة 2008، و الجدير بالذكر أن لدينا العديد من اللزمات التي تمكنت من النجاح في تونس. كما أن لدينا العديد من المشاريع التي تم انجازها بين القطاعين العام و الخاص و ذلك قبل سن قانون الشراكة، مثل محطة توليد الكهرباء برادس و مطار النفيضة و غيره…
يجب على المؤسسات العمومية و الجماعات المحلية أن تغير من طريقة تصورها لإنجاز المشاريع. كما أن المانحين على استعداد تام لتمويل العديد من المشاريع بصفة مباشرة، و لكن للأسف نجد أن المؤسسات العمومية و الطرف العمومي بصفة عامة يفضل اللجوء للبنك الدولي و التفاوض معه مباشرة من أجل تمويل المشاريع، و انجازها بطريقة الشراء العمومي، و هذه الآلية فاشلة بامتياز و تتسبب في إفشال العديد من المشاريع، في حين أن إنجاز الدولة لمشروع ما بالإشتراك مع الأطراف الخاصة سيكون له العديد من المزايا، كتقاسم المخاطر بين الطرف العمومي و الطرف الخاص، كما يمكن تسليم المشروع ككل للطرف الخاص من أجل إنجازه.
تعودنا على طريقة بعث المشاريع التي تأخذ وقتا طويلا، حتى إننا لم نعد ننزعج من طول مدة إنجاز المشروع!! و عليه يجب إصلاح طريقة الحوكمة و ما يتبعها من طرق إنجاز المشاريع.
أهم شيء في قانون الشراكة بين القطاع العام و الخاص أن نستفيد من خبرة القطاع الخاص، الذي تعود على إنجاز هذه المشاريع بسرعة و نجاعة. و هو عكس ما نجده في الدولة التي تمضي وقتا طويلا في الدراسات و البحث عن التمويل و تحيين الدراسات… و رفوف الوزارات المليئة بهذه الدراسات خير شاهد على هذا الكلام.
أولى خطوات بعث المشاريع هي دراسة الجدوى، و قد تولى صندوق الودائع و الأمانات بالشراكة مع الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص، تمويل الدراسات من خلال وضع خط بقيمة عشرين مليون دينار، و لكن للأسف لا تزال المشاريع التي تولى هذا الخط تمويلها معطلة، و نقصد تكنوبول منوبة، و إنجاز مقر وزارة المالية، علما و أننا عندما تقدمنا بعروضنا للجماعات العمومية، نبهنا إلى وجود العديد من الإمتيازات كوجود الأرض و فكرة المشروع.. فما المانع من إرساء منافسة قادرة على جلب أفضل العروض، دون دفع مليم واحد، إذ تكفي المشاركة بالأرض فقط. و في نهاية المطاف سيتم بناء المشروع لتعود ملكيته للدولة. و تعتبر هذه الطريقة في إنجاز و بعث المشايع جيدة جدا. و عليه يجب علينا إيقاف التفكير الكلاسيكي الذي يسعى دائما إلى اللجوء إلى القروض من أجل تمويل المشاريع، علما و أن مانح التمويل سيفرض العديد من الشروط، بينما تمويل صاحب الفكرة للمشروع بطريقة مباشرة، خالية من أية شروط مفروضة على المستفيد الحقيقي و هو الدولة.
الدولة التونسية في حاجة ماسة إلى تركيز جملة من الإصلاحات الفورية
يقوم صندوق النقد الدولي باقتراح جملة من الإصلاحات على الدول التي سيعمل معها مستقبلا، و هذا التدخل يمس من استقلالية الدول. و لكن تونس في جميع الأحوال مطالبة بتركيز جملة من الإصلاحات، دون انتظار مقترحات صندوق النقد. مثلا يجب على المؤسسات العمومية تركيز عديد الإصلاحات عن طريق تحسين الحوكمة، لأن هذه المؤسسات تشرف على تسيير البلاد ككل.. و هي التي تعطي القيمة المضافة للبلاد. و لكن في الوقت الراهن أصبحت المؤسسات العمومية عبئا على الدولة، إذ أصبحت في حاجة دائمة إلى التمويل من أجل مواصلة نشاطها، و هذا الإصلاح لا يحتاج إلى ذكاء خارق من قبل القائمين على صندوق النقد، بل يجب أن نقوم به بأنفسنا، كما يجب إصلاح منظومة الدعم التي أصبحت تثقل كاهل الميزانية، و نفس الشيء بالنسبة للصناديق الإجتماعية.
يعتبر تواجد صندوق النقد الدولي بدولة ما ضمانا للممول بوجود إصلاح فعلي، من ما يشجع على استقطاب أعداد متزايدة من المشاريع و المستثمرين.. و نفس هذه العملية نجدها مع البنوك، حيث يطالب المصرف المؤسسة بإصلاح ما بها من هنات، حتى يمكنها من القرض الذي تحتاجه.