السيد أحمد الكرم: الإقتصاد التونسي إقتصاد هش، يجب إصلاحه في القريب العاجل

في سنة 2020 بقيت دار لقمان على حالها، و بدأت أركان الدولة التونسية في التزعزع، بل في التهاوي، فالشعب التونسي مع الأسف يزداد فقرا يوما بعد يوم… و نحن لا نرى في الوقت الحاضر، أية بوادر لإصلاح جوهري قادر على تحسين هذا الوضع، و كنا قد نادينا منذ سنوات بأن أصل الداء يتمثل في منظومة الحكم التي اخترناها بعد الثورة، هذه المنظومة التي لم تستطع سوى أن تحقق الشيء القليل من الديمقراطية و حرية الكلام، دون أن تستطيع توفير النجاعة و النمو الإقتصادي، دون ضمان الإنصهار في العولمة أو الإندماج في العالم الحديث… و كنا قد نادينا بالسعي إلى إرساء نظام رئاسي، يكون مُرَاقَبًا من قبل البرلمان، نظام قوي و صلب قادر على اتخاذ القرارات و تنفيذها بسرعة، و ذلك من أجل إقناع المواطن التونسي بأن العمل الرئاسي قائم و متجاوب مع شتى السياسات. و لكن للأسف الشديد لم يحدث أي شيء من هذا في سنة 2020، و بالتالي لا يمكن أن ننتظر تحسنا على مستوى الأوضاع الإقتصادية، و يقول البعض بأن الكورونا أتت لكي تعمق تدهور الأوضاع، و أنا شخصيا أعتقد بأن لها شيئا من التأثير على الوضع الحالي، و لكن أصل المشكل قد بدأ قبل جائحة الكورونا. و بالرغم من كل هذه المساوئ إلا أن سنة 2020 حملت معها بصيص أمل ظهر في آخر السنة، و ذلك عندما قرر البنك المركزي عدم تمويل عجز الميزانية، و لجأ إلى طرح الموضوع على الساحة العامة، مخاطبا الرأي العام التونسي، متعجبا من إنفاق هذه الدولة أكثر من إمكانياتها و ما تملك من موارد،     و بسبب هذا وصلنا إلى وضعية غير مقبولة بالمرة، نجدها ممثلة في نسبة 13% عجز، و هذا أمر خطير جدا. و على ضوء هذا رفض البنك المركزي تغطية مثل هذا الوضع و تمويله. و بعد عدة مناقشات ظهر اهتمام بميزانية الدولة، و هذا الأمر يعتبر سابقة، و قد بدأنا ننظر في المشاريع الحقيقية للمجتمع التونسي.. و أنا بودي أن يستمر البنك التونسي في ما قام به، ذلك أننا في سنة 2021 نقف أمام سؤالين عامين: ما هي نسبة العجز التي سنقبلها؟ هل ستكون 10% أو 3%… كما يجب أن تكون نسبة العجز مدروسة بكيفية لا تضر بالتضخم المالي و غيره… مثلا نتفق كلنا على ضرورة تخفيض عجز الميزانية إلى 5%، و هذا يتطلب ضرورة جملة من الإصلاحات الجذرية، لتدعيم موارد الدولة دون الترفيع في الضرائب.

يجب أن يتم تحديد وسيلة ناجعة لتمويل عجز الدولة، فهل نقوم بتمويلها عن طريق اللجوء إلى البنك المركزي التونسي، أم نبحث عن طرق أخرى؟

قامت البنوك المركزية في كل بلدان العالم بضخ أموال ضخمة لصالح ميزانية الدولة، من أجل إنعاش اقتصادات تلك الدول… بينما نحن في تونس غير قادرين على انتهاج مثل هذا السلوك، لأن وضعنا غير مشابه لأمريكا أو فرنسا أو أوروبا… إذ تبلغ نسبة التضخم المالي في تونس 5.7%، بينما نجد أن الإقتصاد الأوروبي، اقتصاد قوي و منظم و فاعل… و هو معاكس تماما للإقتصاد التونسي الهش، و عليه لا يمكن أن نطبق على اقتصاد مهتز، آليات الإنعاش المعمول بها في العالم الغربي. لذلك يجب أولا إصلاح الإقتصاد قبل التفكير في تزويده بالأموال بطريقة عشوائية من طرف البنك المركزي التونسي.

يعتبر عجز ميزانية الدولة عجزا كبيرا جدا، و المداخيل موجودة لدى المواطنين، و بهذا الشكل سيرتفع التوريد، من ما سيؤثر على الميزان الجاري، و بالتالي ستنخفض قيمة الدينار، من ما سيتسبب في ارتفاع تكلفة البضائع و الخدمات، سترتفع الأسعار… و سيستمر التضخم المالي إلى ما لا نهاية…

يجب تغيير نظام الحكم و جعله أكثر نجاعة و فاعلية

فقدنا القدرة على الإستماع لمن له الرأي الصائب، و الفكرة النيرة التي يمكن أن نستفيد منها.

بالنسبة لسنة 2021 لدينا تحديين، و يتمثل التحدي الأول و الهام، في علاقتنا مع صندوق النقد الدولي، حيث إننا مضطرون إلى التوجه نحو هذا الصندوق، و ذلك لأنه قادر على فتح الأبواب أمام التمويل الخارجي، فإذا لم يتم نيل موافقة الصندوق، فلن يقدر أي أحد على إقراضنا مليما واحدا. و بالتالي فإن هناك طريقتين للتعامل مع الصندوق، و تعتبر أولى الطريقتين انتحارية، أي أن نرتمي مباشرة في أحضان صندوق النقد، ليشترط علينا ما يريد من شروط، سنكون مضطرين للإمضاء عليها دون الإيفاء بتنفيذها.. و بالتالي سنفقد مصداقيتنا ليُقضى علينا بصفة نهائية.

أما ثاني الطريقتين فتقضي باجتماع كل الأطراف حول وضعية تونس، و التباحث في أفضل الحلول الممكنة لإخراج البلاد من هذه الأزمة و على جميع الميادين، من تجارة و ميزانية و خارجية و غيرها… ثم يجب إقرار جملة من الإصلاحات الجوهرية، التي ستقبلها الحكومة و البرلمان و اتحاد الشغل و باقي المنظمات العمومية… يجب الإتفاق على هذه الإصلاحات، ثم عرضها على صندوق النقد الدولي، الذي سيمضي عليها. و بالتالي فالبداية تنطلق من تونس، و ذلك من خلال عرض برنامج متوازن قادر على نيل مصادقة صندوق النقد.

أما التحدي الثاني فيتمثل في تكوين حكومة قوية قادرة على مجابهة أعتى الصعاب، كما يجب العودة إلى الإهتمام بكل ما يتعلق بالخدمات الأساسية للمواطن من خلال الإهتمام بالتغطية، فالفلاحة ليست مجرد مجال اقتصادي، بل هي مجال حيوي، خاصة و أن الكوفيد قد بين بأن الأموال ليست هي الفيصل في توفير الموارد الغذائية، إذن لا بد من التركيز على استقلالية الغذاء، و تدعيم القطاع الفلاحي كما ينبغي.

ثالثا نجد أن الدولة عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية المحترمة للمواطن التونسي، كالصحة و التعليم… إذن لا بد أن يكون هناك نوع من التنسيق بين القطاع العام و القطاع الخاص.

رابعا بيّن الكوفيد أن الدول القادرة على السيطرة و التحكم في الرقمنة، قد خرجت من هذه الجائحة بأقل الأضرار الممكنة، لذلك يجب رقمنة الإقتصاد التونسي بكل مكوناته، من إدارات و بنوك و مؤسسات… و كل هذا يجب أن لا يتجاوز السنة و النصف، لتكون كل معاملاتنا تحت الصيغة الرقمية، و هذا أمر ضروري و حساس، لما يملكه من نتائج كبرى على مستوى النمو، كما سيقضي تماما على الرشوة، فالعلاقة ستكون قائمة بين الحواسيب لا الناس، و بهذه الطريقة سيتم القضاء على الفساد.

خامسا و أخيرا يجب أن نستغل فرص تخير النظام الإقتصادي العالمي، حيث إن الكوفيد جعل من شبكة التزود منقطعة، من ما اضطر الدول للتفكير في استرجاع آليات الإنتاج و قربها للإستهلاك، و تملك تونس اتفاقية مع أوروبا تصدر بموجبها البضائع بدون قيود ضريبية، لذلك يجب أن نستفيد من هذا التوجه الجديد، من أجل إعادة إنعاش الإستثمار، مع ضرورة تغيير نظام الحكم بإدخال النجاعة عليه.

Read Previous

في أوّل يوم رئاسة: بايدن سيعلن عن قانون جديد خاص بـ’الجنسية الأمريكية’

Read Next

السيد عيسى الحيدوسي، الدولة غائبة تماما وتشكو من اضطراب على مستوى الحكم، بسبب تعدد السلط الحاكمة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular