«مرسي-تشافيز»… تشابه في المصير رغم تناقض الإيديولوجيات!

 

طبع الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو  تشافيز مرحلة سياسية فريدة من نوعها في تاريخ أمريكا و منذ تسلمه مقاليد السلطة بعد انتخابات ديمقراطية في 1998 من القرن الماضي عكف على تشكيل دستور جديد للبلاد .

و  كان تشافيز أنشأ في 24 جويلية  1983 “الحركة الثورية البوليفارية 200 ” التي حاولت في 4 فيفري 2002 القيام بانقلاب ضدّ الرئيس كارلوس أندريس. واتخذ الانقلاب اسم: “عملية إزاكيل زامورا” لكن المحاولة فشلت وسجن تشافيز لمدة عامين في مكان يشير إليه باسم “سجن الكرامة”.

 و خلال مكوثه في السجن  سجّل شريط فيديو نادى فيه بالتمرد. وقد نشر هذا الشريط نحو الرابعة صباحاً ليلة 27  نوفمبر  1992، أثناء محاولة انقلابية أخرى قامت بها نفس الحركة وعلى الرغم من أنّ هذا الانقلاب الثاني أجهض أيضاً، فقد كان أكثر نجاحاً من الأول، حيث سيطر أعضاء الحركة على البلاد لبضع دقائق.

بعد إخلاء سبيله في 1994 من قبل الرئيس الجديد لفنزويلا رافائيل كالديرا ، أنشأ تشافيز حزباً سياسياً باسم “الحركة من أجل الجمهورية الخامسة”  وهي نسخة مدنية للحركة الثورية البوليفارية 200  قاده إلى السلطة بعد أربعة أعوام من ذلك و تحديدا في 6 نوفمبر  1998بعد أن  قاد تحالف أحزاب اليسار الذي أقامته حركته و الذي مثل نسبة 34% من النواب في الكونغرس الوطني، وقدّم هذا التحالف تشافيز كمرشح للرئاسة. بعد حملة انتخابية حملت شعار » تشافيز مصدر بلاء حكم الأقلية وبطل الفقراء.«

 خرج تشافيز منتصراً من الانتخابات الرئاسية للعام   1998 ، بنسبة 56% من الأصوات، وكانت أكبر أغلبية في الانتخابات منذ 40 عاماً في فنزويلا. ولم يحصل حزبا العمل الديموقراطي و كوبي اللذان تقاسما السلطة في ذلك الحين سوى 9% من الاصوات .

في 7 أوت  1999، ولد المجلس الدستوري الجديد، وكان من مهامه حينذاك التحضير لدستورٍ جديد يحلّ محلّ دستور عام 1961 و لم يكن لدى الأعضاء الـ 131 للمجلس، ومعظمهم ممن يفتقرون لأية تجربة سياسية، سوى ثلاثة أشهر لتحريره، وهي فترة زمنية قصيرة جداً نظراً لكبر حجم المهمة. وكان على الفنزويليين للمرة الثانية في عامٍ واحد التصويت في استفتاء، بحيث كان موضوع الاستفتاء الثاني” تبني ذلك الدستور الجديد” بعد أن كان ” المجلس الدستوري الجديد” موضوع الاستفتاء الاول .

جرت الانتخابات العامة التي وعد بها  هوغو تشافيز في 30 جويلية  2000و أعيد انتخابه رئيساً بنسبة %59.5 من الأصوات. ونالت الحركة من أجل الجمهورية الخامسة 76 مقعداً من مجموع مقاعد المجلس الوطني البالغ 165 مقعداً .

و في محافظتي »ميريدا وتروخييو « اضطر الجيش للتدخل بعد رفض الحكام المنتهية ولايتهم بمساندة المتظاهرين القبول بالهزيمة في الانتخابات العامة.

في 10 ديسمبر  2001، دعا أرباب العمل والنقابات في فنزويلا إلى إضرابٍ عام احتجاجاً على الإجراءات الاقتصادية لهوغو شافيز. وقد شلّ الإضراب البلاد لأكثر من 12 ساعة. فاجتمع آلاف مناصري الحكومة في كاراكاس لمساندة الرئيس والاستماع إلى خطابٍ لتشافيز يشيد بمزايا إجراءاته.

يبرز هذا الإجراء وتلك المظاهرة لصالح الحكومة استقطاب الشعب الفنزويلي. فمن جهة، السكان الذين كانوا يستفيدون من النظام الاقتصادي القديم، وخصوصاً الأشخاص المرتبطين بصناعة النفط، الذين كانوا يتهمونهم، و في مقدمتهم تشافيز، بالفساد. هؤلاء السكان يتمتعون بمساندة أرباب العمل ووسائل الإعلام المحلية، ناهيك عن حسٍّ تنظيمي ممتاز. ومن جهةٍ أخرى، أغلبية الشعب الذي كان يعيش تحت حافة الفقر، بنسبة 80% من السكان الذين لديهم مصلحة في الاستفادة من إصلاحات الحكومة الجديدة. هؤلاء هم الناس الذين انتخبوا شافيز رئيساً والذين عملوا فيما بعد على تجديد ولايته.

أثناء شهر فيفري 2001 طالب ثلاثة من كبار ضباط الجيش، الأميرال  »كارلوس مولينا تامايو» و «الكولونيل بدرو سوتو»  و «الكابتن بدرو فلوريس» باستقالة الرئيس المنتخب ودعوا السكان إلى الانتفاض. وردّ شافيز في خطابٍ إلى الأمة بأنّ ” فنزويلا قد انخرطت في صراعٍ بين الحياة والموت، بين الماضي والمستقبل”. و لم تتخذ أيّة إجراءات عقابية ضدّ أولئك الضباط، حيث نادى شافيز بـ “حرية تعبير مطلقة ” .

في 12 أفريل  2002، كان هوغو شافيز بدوره ضحية انقلابٍ أعدّه مالكو القنوات الخاصة وكوادر شركة النفط الفنزويلية  وكذلك حفنة من القادة العسكريين. وطلبوا من  تشافيز الاستقالة، لكنه رفض و اعتقل وعينت حكومة ترأسها بدرو كارمونا، رئيس غرفة تجارة فنزويلا.

في اليوم التالي، وبعد مظاهرة ضخمة لسكان كاراكاس، أطيح بكارمونا وتولّى نائب الرئيس »ديوسدادو كابيّو» منصب الرئاسة المؤقتة إلى أن يتم تحديد مكان تشافيز ثم إخلاء سبيله.

و أثناء حكمه الوجيز، قام كارمونا بما يلي:
* حلّ المجلس الوطني ووعد بإقامة انتخابات؛
* وعد بإجراء انتخاباتٍ رئاسية خلال أقل من سنة؛
* ألغى دستور 1999 الذي أقرّ أثناء ولاية شافيز؛
* وعد بالعودة إلى النظام البرلماني الثنائي الذي كان سارياً قبل العام  1999؛
* ألغى القوانين الـ 49 التي أعطت الحكومة سيطرةً أكبر على الاقتصاد؛
* أعاد الجنرال المتقاعد »غوايكايبورو  لاميدا» رئيساً لشركة نفط فنزويلا؛
* سرّح قضاة المحكمة العليا.

و بمساعدة شرطة كاراكاس قام رئيس البلدية ألفريدو بيا أحد المسؤولين عن انقلاب 2002 و مالك صحيفة إل ناسيونال الواسعة الانتشار بغارة على مقر بث التلفزيون الجماعي ” تلفزيون كاتيا ” الذي أنشأه السكان الفقراء شرقي كاراكاس مثلما حدث تقريبا في مصر حيث هوجمت مقرات القنوات الإسلامية و قطع بثها.

 و مقارنة بما وقع وقتها بفنزويلا و مت حدث في مصر فقد نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية تقريرا بعنوان “الدولة العميقة تعود في مصر مرة أخرى”، كشفت فيه عن وجود سيناريو منذ عدة أشهر لعزل الرئيس محمد مرسي  خططت له المعارضة والجيش.

وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى اجتماع كبار قادة الجيش المصري، بشكل منتظم مع قادة المعارضة، وقالت إنّ رسالتهم كانت أن الجيش سيتدخل وسيعزل مرسي بشكل قسري إذا استطاعت المعارضة حشد عدد كافٍ من المتظاهرين في الشوارع.

و من بين الأشخاص الذين  حضروا الاجتماعات محمد البرادعي و عمرو موسى و حمدين صباحي  , حسبما أفاد به  مقربون من قيادات في جبهة الإنقاذ الوطني .

وأوضحت الصحيفة أنه مع اقتراب الإطاحة بمرسي زادت اللقاءات بين الجيش والمعارضة، مشيرة إلى أن بعض هذه الاجتماعات عقدت في نادي ضباط القوات البحرية.

وقالت  بأن اجتماع من وصفتهم بقوى عهد حسني مبارك والمعارضة تزامن مع استهداف مقار جماعة الاخوان المسلمين في الأيام التي سبقت الإطاحة بمرسي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه حينما طلبت جماعة الإخوان رسميا من وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم حماية مكاتبهم، رفض الأخير الطلب بشكل علني.

و قد تحدث  الأحد 14 جويلية الجاري الفريق أول عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى عن الأسباب التي دفعت قيادة الجيش المصري إلى إقالة الرئيس الإسلامي محمد مرسي التي تمت  استجابة للتظاهرات الحاشدة التي طالبت برحيله , في الوقت الذي تصف فيه جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي ما قام به الجيش ب”الانقلاب العسكري”.

 وأكد السيسي في أول خطاب عام له منذ إقالة مرسي إن “القيادة العامة للقوات المسلحة أبدت رغبتها ان تقوم الرئاسة نفسها بعملية الاحتكام إلى الشعب وإجراء استفتاء يحدد به الشعب مطالبه ويعلي كلمته، لكن مرسي رفض رفضا قاطعا”.

وأضاف السيسي  “عندما تجلت إرادة الشعب بلا شبهة ولا شك ووقع محظور أن تستخدم أدوات حماية الشرعية ضد مصدر الشرعية، فان الشعب وبهذا الخروج العظيم رفع أي شبهة واسقط أي شك “.

اندلعت يوم 30 جوان الماضي مظاهرات حاشدة مطالبة برحيل الرئيس الإسلامي محمد مرسي  وفي اليوم التالي أصدرت القوات المسلحة بيانًا اعتبرته قوى المعارضة بأنه إنذارًا لمرسي بالتنحي. وأصدرت الرئاسة بيانًا في الساعات الأولى من 2 جويلية الجاري  قالت فيه أنها ترى أن بعض العبارات في بيان الجيش “تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب في حدوث إرباك للمشهد الوطني المركب”.

استمرت فترة رئاسة محمد مرسي إلى غاية 3 جويلية 2013 حيث تعرض إلى انقلاب عسكري بعد أن عزله الجيش  استجابة لمطالب  المعارضة التي نزلت في مظاهرات ضده.

كان محمد مرسي أعتقل عدة مرات و كانت آخر مرة في ديسمبر2006  مع 34 من قيادات الإخوان على مستوى المحافظات و قام الأهالي بتحريرهم 3 جانفي 2011 لكن محمد  مرسي رفض ترك زنزانته، واتصل بعدة وسائل إعلام يطالب الجهات  القضائية بالانتقال لمقرِّ السجن والتحقق من موقفهم القانوني وأسباب اعتقالهم، قبل أن يغادر السجن لعدم وصول أي جهة قضائية إليهم .

ويذكر أن مسؤولي جماعة الإخوان المسلمين  نفوا تفاوضهم مع النظام العسكري الذي اعتقل العديد من كبار قادة الجماعة منذ سقوط مرسي وأصدر مذكرات اعتقال في حق مئات آخرين.

و كانت المعارضة دعت مع أرباب العمل في فنزويلا إلى شن سلسلة من الإضرابات ما أدى إلى تعميق الأزمة التي أدت اثر ذلك إلى محاولة الانقلاب ضد نظام تشافيز في 2002 غير أن أنصار الرئيس أعادوه إلى الحكم في غضون ساعات معدودات  و دعا الجيش في مصر الرئيس محمد مرسي إلى التخلي عن الحكم و قام بانقلاب ضده جعل من بلاد النيل حلبة صراع بين مختلف الأطياف الدينية و الاجتماعية ولكن السؤال المطروح : هل سينجح أنصار محمد مرسي في إعادته إلى الحكم مثلما نجح مؤيدو هوغو تشافيز في فنزويلا أم سيكتب التاريخ صفحة مرسي كرئيس سابق لمصر انتهت ولايته في جويلية  2013؟

إن ما يحدث في مصر منذ “عزل” مرسي بالقوة إلى حد الساعات القليلة التي سبقت سحب جريدتنا يبعث على القلق و الحيرة، فالمشهد قاتم حيث سبق أن سجلت عملية حشد المتظاهرين لإسقاط مرسي أو الإنقلاب عليه عدة وفايات إلى جانب العديد من الجرحى و وضعت وقتها على حساب مرسي و الإخوان و هاهو سيناريو الموت يتكرر بين قتلى و جرحى بسبب المظاهرات المسامدة لمرسي و المعارضة له و المتواصلة منذ أن تم “عزله”، فهل كان الإنقلاب على الشرعية باسم شرعية “الشعب” هو الحل حقا؟

هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة التي نأمل جميعا أن تأتي بحلول عقلانية حقيقية تحقن دماء إخواننا في مصر و تخرج بثورة هذا البلد العربي العملاق إلى النور و تحقق المطالب و الاستحقاقات الحقيقية للشعب المصري بعيدا عن السباق المحموم للإستئثار بكراسي السلطة الذي أصبح يهدد الثورات العربية المباركة بدءا بتونس وصولا إلى سوريا المنكوبة و ما سمح به ذلك من تدخل دنيء و خبيث و سافر مقنع و معلن لقوى الإمبريالية المتشدقة بدعم الديمقراطية و التي لا تريدها حقا لشعوبنا العربية “المغبونة” و تستنكرها علينا.
عمر بو عيسي

Read Previous

في مجمع المحاسبين بالبلاد التونسية : المنجي السماعلي رئيسا جديدا و نقل المقر إلى "موتيال فيل"

Read Next

أمام التلفاز صفاء الرمضاني

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular