جريدة الخبير

«أحمد الكرم» رئيس هيئة الإدارة الجماعية لبنك الأمان: رغم كل النقائص إلا انه يجب التعجيل في تفعيل مشروع التمويل التشاركي

لم يكن الإنحدار الحاد الحاصل في ترتيب تونس مفاجأة، بل كان أمرا متوقعا.. و لكن رغم هذا نأمل أن لا ننحدر أكثر، خاصة و أن الأمور آخذة في التعقد أكثر فأكثر..

لنأخذ على سبيل المثال إيطاليا، و هي دولة تعيش أزمة حادة و كبيرة، و تقر جميع أحزابها بالفشل الذريع، لذلك تم البحث عن شخصية إيطاليا موثوقة و متميزة في علاقاتها العالمية من أجل توليتها الحكم. و عليه فقد وقع الاختيار على «mario draghi» و هو المحافظ السابق للبنك الأوروبي. و يتميز الإيطاليون بهذه الخاصية منذ قديم الزمان، منذ روما.. فعندما يفشل الحاكم في تسيير روما، ينسحب و يستقيل لمدة معينة و يأتي بشخص خبير يثق به الجميع من أجل أن يتولى زمام الحكم. و تكون مهمته إنقاذ البلاد، ثم يعود بعد ذلك الحكم للحاكم القديم.

أما في تونس فتتمحور مشكلتنا الأساسية حول التشبث بنظام حكم فاشل على جميع الأصعدة.. و هو ما يجعل الخروج من الأزمة أمرا صعبا جدا، لذلك يجب أن نعي بأنه قد حان الوقت لتسليم تونس للمختصين و الأكفاء، و من لهم الوطنية و الجرأة و القدرة على إخراجها من أزمتها.

الحلول يجب أن تكون موجودة سواء على المستوى الوطني أو الخارجي..

ليس لي أي أمل في تغير الأمور، خاصة في ظل وجود هذه التركيبة التي تسير النظام الحالي، إذ لا يمكن تسيير بلد نام، يشكو البطالة و العديد من الصعوبات الأخرى عن طريق ثلاث رؤساء! خاصة و أن هؤلاء الرؤساء غير متفقين بالمرة، علما و أنه من أجل أن يكون التعامل حكيما فإن الناس يجب أن يتحاوروا معا.. أما هؤلاء فرافضون تماما للحوار و النقاش و اللقاء! فكيف لهم أن يجدوا الحلول لمشاكل تونس، و هم غير قادرين على حل مشاكلهم؟؟ هم منصبون على أشياء هامشية لا تنفع البلاد أو العباد في شيء! بل تزيد في تعميق مشاكلنا.. و نتاجا لهذا ازداد الشعب التونسي فقرا و بؤسا، ليصبح دخله أقل من ما كان عليه سنة 2010، حتى إن الطبقة المتوسطة تكاد تختفي، إذ انحدرت من 80% إلى 40%.

ارتفع كذلك التداين الخارجي، و لا يمكن في الوقت الحاضر تسديد هذه الديون، و يقول الخبراء الحاليين بأن نسبة النمو لهذه السنة ستكون 4%، و لكن هذه التوقعات غير واقعية! خاصة و أن نسبة الإدخار في انخفاض مستمر و مفزع.. إذ بلغت قيمته 3.7% من الناتج الداخلي الخام، حيث بلغ في السنوات السابقة نسبة 20%. و بالتالي فالأرقام المقدمة غير عقلانية بالمرة، لأنها غير مبنية على أسس سليمة. و هذا ما تسبب في تهجير الخبرات التونسية إلى الخارج بعدد 90 ألف خبير تونسي غادروا الوطن نحو أوروبا و غيرها سنة 2019.

أما عن اللجوء إلى الشارع لاستعراض العضلات فهو علامة دالة على الفشل، و هو خطأ

أما عن اللجوء إلى الشارع لاستعراض العضلات فهو علامة دالة على الفشل، و هو خطأ فادح. إذ لا يجوز دعوة الشارع للحكم مكان المسؤولين! و عليه فالهروب إلى الشارع أمر غير مقبول من طرف السياسيين، و مثل هذا الأمر تدخل فيه الغوغائية و العديد من الأمور التي لا يرجى منها أي نفع.. و بالتالي فنحن في أزمة سياسية عميقة جدا، و الاستمرار على هذا الوضع أمر مرفوض، و لا بد من إيجاد الحلول سواء بالتعويل على الكفاءات التونسية الداخلية أو حتى على الخارج، خاصة الدول التي أقرضتنا المال. كانت تونس في وقت ما قد أقدمت على اقتراض المال من جميع دول العالم، و عندما حل وقت سداد القروض، وجدنا أنفسها عاجزين عن التسديد، لذلك تم اللجوء إلى ما سمي بالانسداد المالي، و هي طريقة تعطي الأولوية لتسديد القروض الخارجية، و هذا ما أدى بنا إلى الإستعمار. و نحن اليوم مهددون بالإستعمار الإقتصادي، أي أننا بصدد فقدان حرية تقرير مصيرنا من ناحية تسيير الدولة و اختيار الاستثمارات، و اختيار الشعب و توزيع الثروات و غير ذلك…

إذا لم نأخذ الأمور بجدية فإننا سنصل ضرورة إلى هوة الإستعمار.

هذا و تتشابه الوضعية في تونس مع اليونان، إلا أن الوضع في تونس أتعس بكثير منه في اليونان.. و لكن هل سنتمكن من الخروج من الأزمة كما فعل اليونان؟ علما و أن اليونان خرجت من الأزمة بفضل تركيز حكومة مستقرة، ثم تولي اليساريين للحكم، الذين تولو مهمة تركيز الإصلاحات، من ما جعل الرؤية تزداد وضوحا، لتتمكن بذلك اليونان من تحصيل الأموال و تحقيق الإستقرار.. و كانت أوروبا طرفا مساعدا في تجاوز هذه الأزمة من خلال فرض العديد من الشروط، و لكن في نهاية المطاف تمكنت اليونان من النجاة و تجاوز الأزمة.

يجب التعجيل في تفعيل مشروع التمويل التشاركي في أسرع وقت ممكن

يشترك في مشروع التمويل التشاركي خمسة أطراف:

1- شركة التصرف في منصة التشاركية.

2- المشارك الذي يقدم الأموال للمساعدة على تنفيذ المشروع.

3- صاحب المشروع.

4- سلطة الرقابة.

5- البنك المشرف على تسيير الأموال المجمعة و الحسابات.

هذا و نجد الأوامر الحكومية و الإجراءت الترتيبية التي تحددها سلط المراقبة. و الأوامر الحكومية عددها سبعة، تقابلها سبعة مناشير: منشور يحدد شروط الحوكمة الرشيدة، و منشور يضبط شروط تمكن العموم من الإطلاع على المعلومة، و هذا المنشور جيد جدا لأنه مجسد للشفافية، و منشور يحدد مكونات التقرير السنوي الذي سينشر، و منشور يحدد محتوى مذكرة المعلومات، ذلك أن صاحب المشروع مطالب بتقديم معلومات موافقة لمنشور تحدده سلطة الإشراف و هي البنك المركزي و هيئة السوق المالية و هيئة القروض الصغرى، و منشور يعطي محتوى المعلومات التي يجب إرسالها إلى سلطة الرقابة، و منشور الإعلام على كل ما يطرأ من تغيرات على المشروع. هذه المناشير السبعة لا يوجد لها حتى الآن مشاريع تمهيدية لإخراجها! و بالتالي أنا أدعو من عينوا كمشرفين على هذا المشروع كمحافظ البنك المركزي و رئيس هيئة السوق المالية و رئيس سلطة المؤسسات و القروض الصغرى إلى تجنيد طاقاتهم و إخراج هذه التراتيب السبعة قبل نهاية شهر أفريل، و هذه الأمور ليست بالصعبة. كما أدعو رئيس الحكومة إلى المساعدة في تسريع إخراج هذه الأوامر. خاصة و أن هذا التأخير ليس له أي مبرر أمام هذه الإجراءات السهلة و البسيطة بالنسبة لخبرائنا الإداريين.

لن يكون للتمويل التشاركي دور كبير في تمويل الإقتصاد، و هذا الأمر موجود في كل دول العالم، إذ يساهم فقط ب3 في المئة من التمويل الكلي للإقتصاد، و لكن هو يضع آليات تمويل لعمليات و أطراف لتتمكن من الحصول على التمويل البنكي بكيفية سلسة و بسيطة.

و يساعد هذا المشروع على تمويل الاستثمارات الثقافية، و هو تشاركي لثلاثة أشياء:

1- الإعجاب بمشروع ما و السعي للمشاركة فيه.

2- هو عمل اجتماعي يهم منطقة بعينها و يصب في صالحها.

3- ربح المال.

هذه الدوافع الثلاثة مهمة جدا لتمويل مشاريع ترفض البنوك تمويلها.

لدينا أيضا تمويل الحاجيات الخاصة التي لا يمكن تمويلها عن طريق القروض البنكية، كشراء سيارة أو بناء مسكن، فيتم اللجوء إلى مجموعة من الناس الذين يثقون بصاحب المشروع من أجل إعطائه الأموال و مساعدته على إنجاز مشروعه.

كما يمكن أن نجد مؤسسة فاقدة للأموال الذاتية الكافية التي يتطلبها التمويل البنكي، فيتم اللجوء إلى التشاركية.

و نجد أيضا مشاريعا لا تملك السيولة الضرورية فتلجأ إلى التشاركية من أجل استكمال بعث المشروع. و بالتالي يلبي التمويل التشاركي حاجيات خاصة تمكن من تمويل ما لا تموله البنوك و تساعد على جعل مشروع ما، مشروعا بنكيا تموله في ما بعد البنوك، و هو أمر إيجابي جدا يجب الإسراع فيه.

يجب على شركة الوساطة أن تكون ناجعة و غير مكلفة

هذا القانون قابل لمزيد التحسن، و نحن مطالبون بالإسراع في تنفيذه و الإنطلاق فيه، خاصة و أنه مرتكز على مبدأ أساسي و هو أن من يساهم في المشروع يتحمل مخاطره، و هو أمام منصة فيها جميع المعلومات، و لا أحد يجبره على التمويل. أما الأمر الثاني فيتعلق بالمراقبة التي يجب أن تكون غير شديدة، و هناك بعض التراتيب التي تشهد بأن القانون التشاركي لا يدخل ضمن العمليات التقليدية المراقبة من قبل البنك المركزي. و عليه فنحن مطالبون بإيجاد مراقبة سلسة.

ستقوم شركة إسداء الخدمات بدور الوسيط في التمويل التشاركي، و هي شركة لديها تكاليف، إذ تتقاضى أجرا مقابل خدماتها، و تبلغ نسبة هذه التكاليف من 4 في المئة إلى 12 في المئة من قيمة المشروع. إذن سيساهم صاحب المشروع في تغطية خدمات المؤسسة، لذلك يجب على شركة الوساطة أن تكون ناجعة و غير مكلفة لكل من سيتعامل معها.

المراقبة المالية في تونس مجزأة

تختلف طرق التمويل، و نحن في تونس لا نملك نظام مراقبة كلي.. و المراقبة لدينا مجزأة، إذ يتولى البنك المركزي مراقبة القروض، و تراقب البورصة المساهمات… و بالتالي كل مؤسسة تتولى مراقبة ما هي مؤهلة لعمله، و لكن يبقى التنسيق بين هذه الجهات أمرا ممكنا، لأن البنك المركزي التونسي تجتمع ضمنه لجنة الاستقرارية المالية، و تضم هذه اللجنة البنك المركزي، و رئيس هيئة سوق المالية، و رئيس سلطة شركات القروض الصغرى، و بالتالي يمكن تطوير هذه المنظومة حتى تكون لها مهمة التنسيق بين مختلف مهمات الرقابة، فليس من المعقول أن يصدر منشور عن البنك المركزي مختلف مثلا عن منشور البورصة. و لكن المطلوب هو الشروع في العمل و سيتم لاحقا حل كل المشاكل المطروحة و المستجدة.

يجب التأكد من صحة الجذاذة المحتوية على المعلومات، كما يجب التأكد من أن صاحب المشروع جدي و نزيه و صالح، ثم يتحمل الممول مسؤوليته كاملة.

شروط العمل على المنصة

صرح القانون بأمرين:

1- لكي تقوم بعمل تسيير المنصة لا بد من أن تتحصل على موافقة سلطة الإشراف، و هنا يتم التحري عن طالب الترخيص، و التأكد من كفاءته للقيام بعمله كما ينبغي.

2- ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في من يريد تسيير أو إدارة المنصة، و بالتالي هناك شروط تضمن بأن لا يدخل هذا الميدان إلا من له القدرة و الكفاءة و التقنية الضرورية لذلك.

المخاطر الجماعية

تمكنت البنوك من المحافظة على ناتج خام بنكي في مستوى ما كان موجودا في السنة الماضية، و هذا يدل على قدرة عالية على تسيير البنوك في أوج الأزمات.. و القدرة على تنويع مصادر المداخيل، من ما يعطينا بعض الثقة في مسيري بنوكنا من ناحية قدرتهم على التأقلم مع الأزمات و عدم التأثر بها. كما أعتقد بأن المرابيح ستنخفض و ذلك لثلاثة أسباب:

1- عدم القدرة على التحكم في التكاليف، و بالتالي سترتفع المصاريف ب5 في المئة و هذا يؤثر على الربحية.

2- مساهمة كبيرة من قبل البنوك ب110 مليون دينار لمعاضدة صندوق تهيئة المساحات و المستشفيات و كل ما يتعلق بتدعيم نوعية الخدمات الصحية.

3- المخاطر الجماعية، إذ سمح البنك المركزي بإعادة جدولة أقساط رأس المال و الفائض للأشخاص و المؤسسات و قد مكنتنا هذه الخطوة من المحافظة على التصنيف العادي لهذه القروض.

تعتبر الوضعية الإقتصادية العامة حرجة، كما أن المخاطر في ازدياد لذلك يجب التوظيف و الجلب من المرابيح قسطا، من أجل تغطية المخاطر بصفة كلية، و هذا ما نسميه بالمخاطر الجماعية. و المبلغ الإضافي كبير جدا، و ذلك بسبب تغيير البنك المركزي لمعايير تحديد الاحتياطات الجماعية، و بالتالي سينتج عن هذا ارتفاع في نسبة المخاطر، لتكون مضاعفة في بعض البنوك. و سيؤثر هذا على قدرة البنوك من ناحية تقديم مرابيحها. في العادة تكون هذه الاحتياطات الجماعية غير محسوبة على الضريبة على المداخيل لأنها احتياطات و لكن في حدود سقف 1 في المئة، بمعنى أننا رفعنا في الاحتياطات الجماعية عن طريق منشور جديد من البنك المركزي. إذن لا بد من رفع هذا السقف، و كنا ننوي أن يكون هذا الترفيع ضمن قانون المالية. و عليه ندعو وزير المالية إلى أخذ هذا الطلب بعين الإعتبار في القانون التكميلي.

index

أمام التلفاز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *