جريدة الخبير

العدالة الانتقالية بين المشروعية الدستورية والتجاذبات السياسية و الإنتظارات : هل ستتحلى هيئة الحقيقة و الكرامة بالحكمة و الجرأة في ملفات بن علي و أصهاره؟

1

منذ الأسابيع الأولى لسقوط نظام بن على واكتشاف ضخامة منظومة الفساد التي أقامها هو و أصهاره،انطلق الحديث و بدأت المطالبة بإرساء منظومة العدالة الانتقالية قانونا و آلياتا للنظر في ملفات الفساد وهي كثيرة وخاصة منها ملفات العائلة و رئيسها.

والعدالة الانتقالية ليست اكتشافا أو اختراعا تونسيا بل هي آلية تم اللجوء إليها في مجمل الثورات التى عرفها العالم و شكلت عنصرا هاما في نجاح تلك الثورات.

لكن و للأسف الشديد ورغم تزامن المطالبة بإرسائها مع الأسابيع الأولى للثورة التونسية فإن التجاذبات السياسية التي تلتها عطلتها كما عطّلت كل المجالات الحيوية للبلاد وهو ما فوت علينا فرصا ثمينة للتنمية و محاسبة  الفاسدين وأغرق البلاد في الفوضى التي نعيشها.

وأخيرا وبعد مرور ثلاث سنوات تكرّم علينا المشرعون بإصدار القانون المنظم للعدالة الانتقالية و الذي تلاه إحداث هيئة الحقيقة و الكرامة وهما قانون وهيئة لم يسلما من التجاذبات السياسية المسيطرة على الساحة الوطنية والتي لا تعير أي اهتمام للمصالح العليا للبلاد خاصة و نحن على أبواب الانتخابات التشريعية و الرئاسية التي من المفروض أن تنهي الفترة الانتقالية و تدخل بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار و التنمية.

إذن أصبح لدينا قانون منظم للعدالة الإنتقالية كما أصبحت لدينا هيئة معنية بالعدالة الإنتقالية وبوضع آلياتها وتفعيلها،وبصرف النظر عن الجدل القائم بخصوص مدى دستورية القانون المنظم لها ومدى شرعية الهيئة التي ثم انتخابها والتي هي حاليا تحت أنظار العدالة التي ستبتّ فيها إن عاجلا أم أجلا فإن عديد الأسئلة تفرض نفسها في الوقت الراهن وهي تتعلق بمدى قدرة هيئة الحقيقة و الكرامة على إدارة الملفات الأهم و التي تتصدر كل ملفات الفساد العديدة المطروحة على أنظارها.

ونعني هنا الملفات المتعلقة بالرئيس المخلوع الذي استجار بالشقيقة السعودية والتي قبلت  إيوائه عملا بالتقاليد و الأعراف العربية التي تفرض على المستجار به عدم تسليم المستجير إلى من يطلبه مهما كلفه ذلك وزوجته وأصهاره الفارين جميعهم و المستقرين  ببلدان الخليج و الصادرة ضدهم بطاقات تفتيش دولية تحدّ من تحركاتهم  و حرية تنقلاتهم.

وجميعنا يعرف أن وجود بن علي و ليلى  الطرابلسي وصخر الماطري وسليم شيبوب بهذه البلدان باستثناء بلحسن الطرابلسي المستقر بكندا ومطالبتنا بترحيلهم إلى تونس قد أضر بعلاقاتنا مع البلدان  الخليجية  لا على المستوى الرسمي بل حتى على مستوى عامة الناس في تونس لأنهم يعتبرون أن حماية  من أساء للشعب التونسي في النظام السابق هو إساءة للثورة التونسية وضحاياها .ولا بدّ من الإشارة أن هناك قناعة بأننا سوف لن نتمكن من محاكمة و محاسبة هؤلاء حضوريا كما أننا سوف لن نكسب أي شئ من بمحاكمتهم غيابيا.

وهنا من المفروض أن تنظر هيئة الحقيقة و الكرامة إلى هذه المسألة  من الناحية الاقتصادية وتتعامل مع هذه الملفات بالتركيز على استرجاع الأموال المنهوبة من قبل هؤلاء ،فالقانون الخاص بالعدالة الانتقالية يخول للهيئة التفاوض مع كل من تورط في قضايا الفساد لاسترجاع الأموال المنهوبة بشرط أن تحظى الهيئة بدعم وموافقة المجموعة الوطنية من خلال توافق جامع من قبل الأحزاب ومكونات المجتمع المدني

إذن لوسعت الهيئة إلى الحصول على هذا التوافق فبإمكانها مفاوضة هؤلاء على أساس توفير ميزانية  سنة كاملة للدولة أي ضخ مبلغ 20 مليار دولار هذا إذا تبين أن هذا المبلغ يكوّن مجموع ما نهبوه أما إذا تبيّن أنه يتجاوز ذلك فيمكن للهيئة المطالبة بالمبلغ الجملي الذي سيتم الكشف عنه بعد التدقيق في ملفاتهم.

وهنا يجب أن لا ننسى أن مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم إلا في إطار العناصر الأساسية للعدالة الانتقالية ألا وهي معرفة الحقيقة كاملة و المصارحة و الاعتراف بالذنب و المحاسبة ثم المصالحة.دون المساس بالملفات المتعلقة بقضايا التعذيب و تجاوزا لسلطة و غيرها.

ومع الإقرار بأن تناول هذه الملفات و بقية الملفات المتعلقة برجال الأعمال من هذه الزاوية يمثل عملا شاقا و صعبا إلا أنه إن تم اعتماده و النجاح في تحقيقه سيوفر أموالا ذات بال للخزينة العامة و سيوفر علينا عناء إثقال كاهل  التونسيين في الحاضر والمستقبل  بالاقتراض من الخارج و  سيمكن دون أدنى شك من تجاوز إشكالات الاستثمارات وتوفير مواطن الشغل إلى ما يقارب المليون عاطل عن العمل.

وهنا وجب التذكير بأننا تعاملنا  باستخفاف مع قضايا رجال الأعمال في بداية الثورة إذا تم تحجير السفر عن عدد كبير منهم ووضع بعضهم في السجن مثل خالد القبي الذي أبدى استعداده على التخلي عن 97% من ثروته على أن لا يتمّ سجنه فرفض مطلبه وبقي بالسجن لمدة سنتين ولم تكسب المجموعة الوطنية شيئا لا منه ومن قبل البقية الذين بقوا معلقين داخل الحدود ولم يحرّك معظم رجال الأعمال منذ سنة 2011 ساكنا في الاستثمارات وهو ما أثر حتى على الاستثمار الأجنبي في بلادنا.

فرجاؤنا هو تناول هذه المسألة بكل عقلانية حتى نضمن لبلادنا كسبا نحن في أشد الحاجة  إليه لتدارك ما فاتنا وهو كثير و الانطلاق في العمل من أجل البناء الحقيقي لتونس لتتبوأ المكانة التي تستحق تماهي في مستوى الثورة الرائعة التي قادها شبابها و شيبها و كللت بالنجاح يوم 14 جانفي 2011

عمر مروان

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *