في ليلة 4 نوفمبر 2025، صنع السياسي التقدّمي زهران ممدّاني التاريخ بفوزه بمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم وأول أميركي من أصول جنوب آسيوية يتولى قيادة واحدة من أهم المدن في العالم.
جذور عالمية وهوية متعددة
وُلد زهران ممدّاني في 18 أكتوبر 1991 بالعاصمة الأوغندية كمبالا، وسط عائلة مثقفة ومناضلة:
-
والده المفكر الشهير محمود ممدّاني، أحد أبرز منظّري ما بعد الاستعمار في إفريقيا.
-
والدته ميريام تلالي، مخرجة ومناضلة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
تنقّلت الأسرة بين أوغندا وجنوب إفريقيا قبل أن تستقر في الولايات المتحدة، حيث نشأ زهران في حي أستوريا بمنطقة كوينز — بيئة مهاجرين متنوعة تركت بصمتها العميقة على وعيه السياسي والاجتماعي.
من الشارع إلى البرلمان
قبل دخوله معترك السياسة، كان ممدّاني ناشطًا ميدانيًا يدافع عن المستأجرين المهددين بالطرد والعمال المهاجرين وسائقي الأجرة.
انخرط في حركة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA)، وشارك إلى جانب ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز في عدة حملات اجتماعية.
وفي 2020، فاز بمقعد في مجلس ولاية نيويورك، ليصبح أحد أبرز الأصوات المدافعة عن العدالة الاجتماعية داخل الحزب الديمقراطي.
“نيويورك للجميع، لا للأغنياء فقط”
خاض ممدّاني حملته الانتخابية بعناوين اجتماعية جريئة، من أبرزها:
-
النقل العام المجاني باعتباره حقًا للمواطن.
-
تجميد الإيجارات وإصلاح سياسات الإسكان.
-
تحويل المدينة إلى طاقة نظيفة بحلول 2040.
-
إلغاء ديون الطلبة ودعم التعليم العام.
سياساته التقدمية أكسبته دعمًا شعبيًا واسعًا، خصوصًا بين الشباب والطبقة العاملة، لكنها أثارت قلق النخب الاقتصادية في المدينة.
مواقف دولية صريحة
تميّز ممدّاني بمواقفه الأخلاقية الجريئة، خصوصًا في القضية الفلسطينية، إذ دعا إلى وقف الدعم العسكري لإسرائيل ووصف الوضع في فلسطين بأنه “نظام فصل عنصري”.
هذا الموقف أكسبه دعم الجاليات العربية والإسلامية، لكنه جلب عليه هجومًا شرسًا من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل.
ورغم الضغوط، ظل ثابتًا على موقفه مؤكداً:
“العدالة لا تتجزأ، سواء كنت في بروكلين أو في غزة.”
حملة مضادة بتمويل ضخم
واجه ممدّاني حملة إعلامية ومالية غير مسبوقة، موّلتها جماعات ضغط وشركات عقارية بنحو 25 مليون دولار في محاولة لعرقلة فوزه.
لكنّه قلب المعادلة بتحويل المعركة إلى صراع رمزي بين رأس المال الكبير وصوت المواطن العادي، معتمدًا على تبرعات صغيرة وتمويل عام شفاف.
هذه التجربة جعلت منه رمزًا لـ”السياسي العصامي الذي لا يُشترى”، بحسب وصف محللين أمريكيين.
الفوز التاريخي والتحديات المقبلة
بفوزه على أندرو كومو، الحاكم السابق الذي خاض السباق كمستقل، فتح ممدّاني صفحة جديدة في السياسة الأمريكية المحلية.
سيواجه في ولايته تحديات كبرى تشمل:
-
أزمة الإسكان وارتفاع تكاليف المعيشة،
-
تراجع الخدمات العامة،
-
واستعادة الثقة بين المواطنين ومؤسسات المدينة.
وفي خطاب النصر، قال ممدّاني:
“لقد انتصر الناس الذين قيل لهم إنهم غير مرئيين.
هذه المدينة ستُدار بالحب والعدالة، لا بالخوف والمصالح.”
زهران ممدّاني اليوم ليس مجرد عمدة لمدينة، بل رمز لجيل جديد من السياسيين الأمريكيين الذين يجمعون بين الانتماء الديني، والوعي العالمي، والرؤية التقدمية الجريئة.
















