في مخيمات اللاجئين المنتشرة على أطراف بوروندي، تتردد أصوات البكاء والدعاء، وتمتزج مشاعر الخوف بالحزن العميق. هنا، بين خيام بسيطة وملاجئ مؤقتة، يعيش أكثر من 71 ألف لاجئ كونغولي كابوسًا يوميًا، بعد أن فرّوا من الاشتباكات العنيفة التي تشهدها جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتحديدًا بين الجيش النظامي ومتمردي حركة إم 23، الجناح المسلح لإثنية التوتسي المدعوم من رواندا.
عائلات مفككة وأطفال تائهون
تحوّلت المعاناة إلى واقع يومي، إذ أدّت الفوضى التي خلّفها القتال إلى تشتيت شمل آلاف العائلات. ففي حين وصل البعض إلى بوروندي سيرًا على الأقدام، فُقد آخرون أثناء فرارهم من القرى المشتعلة. يروي أحد اللاجئين:
“رأيت أطفالي للمرة الأخيرة عندما سقطت قذيفة قرب منزلنا. لا أعلم إن كانوا على قيد الحياة أم لا. أحمل صورهم في جيبي منذ ذلك اليوم”.
إنها أكبر موجة لجوء تشهدها بوروندي منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، ما يضع ضغوطًا إنسانية هائلة على بلد يعاني أصلاً من محدودية الموارد.
عزلة المنفى.. عبء مضاعف على النساء والأطفال
ما يزيد من محنة المنفى هو واقع العزلة الاجتماعية التي يعيشها اللاجئون، خاصة النساء والأطفال، الذين يشكّلون غالبية الفارين. ففي غياب المعيل أو الأب، تجد النساء أنفسهن مضطرات لتأمين الغذاء والماء والحماية لأطفالهن، وسط ظروف غير آمنة وموارد محدودة.
تقول “كلير”، وهي أم لأربعة أطفال، وصلت إلى المخيم منذ أسبوعين:
“ننام على الأرض، لا نعرف من حولنا، نخاف من كل صوت. أشعر أنني فقدت كل شيء، زوجي، منزلي، كرامتي”.
السلام المؤجل.. واتفاق ميت
الأزمة الحالية جاءت بعد فشل الاتفاق الذي كان من المفترض أن يُنهي النزاع بين الحكومة الكونغولية ومتمردي “إم 23″، المدعومين بشكل مباشر من رواندا، بحسب تقارير أممية وإفريقية. وبدلاً من أن يجلب الاتفاق السلام، تجدد القتال بعنف أكبر، مما دفع عشرات الآلاف إلى الهروب، خشية القتل أو التجنيد القسري أو الاغتصاب.
أين المجتمع الدولي؟
ورغم فداحة الأزمة، لا تزال الاستجابة الدولية دون المستوى. لم تصل المساعدات الكافية، وتعاني المخيمات من نقص شديد في الخيام، الأدوية، الغذاء، والمياه النظيفة. المنظمات الإنسانية، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تطلق نداءات عاجلة، لكن التمويل لا يزال محدودًا، فيما تتصاعد الأصوات المطالبة بتدخل عاجل لحماية المدنيين وإعادة إطلاق مفاوضات السلام.
نظرة إلى الأمام
وسط هذا الظلام، يتشبث اللاجئون بأمل ضئيل في لمّ شمل العائلات، والعودة إلى بيوتهم ذات يوم، إن بقيت بيوتهم أصلًا.
في الوقت الراهن، تبقى الرحلة بين الخوف واليأس هي كل ما يملكه هؤلاء، في انتظار نهاية لم تكتب بعد لنزاع مفتوح، يدفع ثمنه الأبرياء.