في ظرف ست سنوات فقط، تحوّل نجيب بوكيلة من شاب سياسي طموح إلى زعيم استثنائي حاكم بقبضة حديدية، نجح في إعادة السلفادور إلى خريطة العالم، ولكن بثمن أثار الجدل محليًا ودوليًا. فبينما يرى فيه المواطن البسيط بطلًا شعبيًا خلّص البلاد من فوضى العصابات، ينظر إليه الحقوقيون كحاكم سلطوي يُقوّض أركان الديمقراطية باسم الأمن.
من رئيس شاب إلى “ديكتاتور عصري”
تولى بوكيلة رئاسة السلفادور في عام 2019، ليصبح أصغر رئيس في تاريخ البلاد الحديث. وبدلًا من أن يسلك الطريق التقليدي في الحكم، قرر إعادة صياغة النظام السياسي على مقاسه.
فاز حزبه “أفكار جديدة” في الانتخابات البرلمانية لعام 2021 بأغلبية ساحقة، مكنته من السيطرة الكاملة على الجمعية الوطنية. سرعان ما قام بإقالة قضاة المحكمة العليا والمدعي العام، وفتح الباب أمام إعادة انتخابه في سابقة اعتبرها البعض انقلابًا ناعمًا على الدستور.
ولم يتردد في وصف نفسه بـ”ديكتاتور السلفادور” على منصة “إكس”، في سخرية علنية من الانتقادات الدولية التي طالته، ليؤكد أن الرجل يعرف جيدًا ما يفعل، ويعي الصورة التي يرغب في رسمها.
الحرب على العصابات.. نجاح أمني باهر
من أبرز إنجازات بوكيلة وأكثرها تأثيرًا، حملته الأمنية الشاملة ضد عصابات الجريمة المنظمة التي عاثت فسادًا في السلفادور لعقود. منذ إعلان حالة الطوارئ في مارس 2022، شُنّت أوسع حملة اعتقالات في تاريخ البلاد، طالت أكثر من 75 ألف مشتبه به.
تم إنشاء أكبر سجن في أميركا اللاتينية بقدرة استيعابية تصل إلى 40 ألف نزيل، يُعرف بـ”سجن مكافحة الإرهاب”، وهو نسخة 2025 من معتقل غوانتانامو سيئ السمعة، لكنه بات رمزًا للنجاح الأمني في نظر كثيرين.
ورغم الانتقادات الحادة من منظمات حقوق الإنسان بشأن الاعتقالات العشوائية والانتهاكات، فإن السلفادوريين يرون تحسنًا ملحوظًا في مستوى الأمان، حيث انخفضت معدلات الجريمة والقتل بشكل غير مسبوق.
رئيس الـ80%.. شعبية لا تُهزم
وفقًا لآخر استطلاعات الرأي، يحظى بوكيلة بتأييد يفوق 80% من الشعب، وهي نسبة نادرة في ديمقراطيات العالم اليوم. المواطنون يرونه زعيمًا حاسمًا، أعاد إليهم الثقة في الدولة، وأنهى سنوات من الخوف والدمار.
تلك الشعبية لا تنفصل عن أسلوبه العصري في التواصل. فهو نشط على وسائل التواصل الاجتماعي، ينشر بنفسه قراراته، ويستخدم لغة شبابية جريئة تجذب الانتباه. يشارك اللحظات الصغيرة والكبيرة، ويحرص على أن يكون قريبًا من الناس ولو افتراضيًا.
نقد دولي وقلق حقوقي
لكن في مقابل هذه النجاحات، تزداد المخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية في السلفادور. فحالة الطوارئ لم تُرفع منذ 2022، والبرلمان والقضاء باتا أداة طيّعة بيد الرئيس. وتُسجل المنظمات الدولية مئات الحالات من الاعتقال دون محاكمة، وقيودًا متزايدة على حرية التعبير والتنظيم السياسي.
كما أن تعديل الدستور للسماح بترشحه لولاية ثانية يُعد سابقة خطيرة، ويُذكّر بتجارب زعماء سابقين سلكوا نفس النهج الاستبدادي تحت عباءة “المصلحة العامة”.
بين “المنقذ” و”الديكتاتور”
ظاهرة نجيب بوكيلة تُعيد إلى الواجهة سؤالًا سياسيًا قديمًا جديدًا: هل يبرر تحقيق الأمن تراجع الحريات؟
قد لا يحصل بوكيلة على جوائز دولية، ولا يُنظر إليه كرمز ديمقراطي، لكنه استطاع كسب أهم اعتراف: رضا شعبه. وإذا استمر في هذا النهج، فقد يكون نموذجًا ملهمًا – أو مُخيفًا – لزعماء آخرين حول العالم.
لكن تبقى الحقيقة قائمة: نجيب بوكيلة غيّر وجه السلفادور، وأعاد تعريف مفهوم القيادة في زمن تتشابك فيه تحديات الأمن والحرية والسيادة الوطنية.