الصكوك السيادية في مصر.. بين خفض الدين ومخاوف التفريط في الأصول
القاهرة –
أثار إعلان الحكومة المصرية عن تخصيص 41 ألف فدان على ساحل البحر الأحمر لصالح وزارة المالية بهدف إصدار صكوك سيادية جدلًا واسعًا، في وقت تواجه فيه البلاد ضغوطًا اقتصادية متصاعدة وسط محاولات متواصلة للحد من الدين العام وتعزيز تدفقات العملة الأجنبية.
وبينما تؤكد الحكومة أن هذه الخطوة تهدف إلى تقليص الدين العام دون بيع الأصول، يُحذر خبراء اقتصاد من أن التصكيك قد يتحول إلى حل تمويلي مؤقت يضاعف الضغوط المالية في حال غياب خطة واضحة ومستدامة لإدارته.
تحسُّن نسبي في مؤشرات الدين
وفقًا لبيانات وزارة المالية، انخفضت نسبة الدين المحلي إلى 59% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2024، مقارنة بـ62% في يونيو من العام نفسه، كما تراجع الدين الخارجي إلى 22.7% بعد أن كان 27.1%.
ويعزى هذا التراجع في جزء منه إلى صفقة “رأس الحكمة” التي بموجبها حصلت شركة “إيه دي كيو” الإماراتية على المشروع الساحلي مقابل 24 مليار دولار، وتحويل 11 مليار دولار من الودائع إلى استثمارات.
وتسعى الحكومة لاستثمار هذه التجربة عبر التوسع في إصدار صكوك سيادية تصل قيمتها إلى تريليون جنيه مصري، اعتمادًا على أصول مملوكة للدولة، وهو ما أعاد فتح النقاش حول مدى فعالية هذه الآلية وجدواها الاقتصادية على المدى الطويل.
دعم حكومي للمشروع.. واستثمار لا بيع
وفي مواجهة الاتهامات ببيع أصول الدولة، أصدرت وزارة المالية بيانًا تؤكد فيه أن ملكية الأراضي لن تنتقل إلى المستثمرين، وأن الهدف من التصكيك هو استخدام الأصول العامة كمصدر تمويلي عبر أدوات مالية معاصرة، مع تأكيدات بأن الأرض ستظل مملوكة للدولة.
وأضاف البيان أن العوائد المستهدفة سيتم توجيهها نحو مشروعات سياحية وخدمية بالشراكة مع جهات وهيئات حكومية، بما يُسهم في خلق فرص عمل وتعظيم العائد الاقتصادي.
وجهة نظر داعمة: تنويع التمويل وتوسيع الاستثمار
يقول د. خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إن إصدار الصكوك هو خيار إستراتيجي لمواجهة أزمة الدين، مستفيدًا من أصول غير مستغلة دون التفريط فيها.
ويضيف أن هذه السياسة تمثل “فرصة حقيقية” لتوسيع القاعدة الإنتاجية، واستثمار أراضٍ مهملة في مشروعات عقارية وسياحية، مشددًا على أن الأمر لا يندرج تحت بند “البيع”، بل ضمن أدوات تمويل ذكية تواكب التغيرات في البيئة الاقتصادية العالمية.
وجهة نظر نقدية: حل مؤقت ومخاطر محاسبية
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي د. محمد فؤاد أن التوجه نحو الصكوك ليس جديدًا، لكنه يتطلب سياسات واضحة وإدارة شفافة لضمان ألا تتحول هذه الأداة إلى وسيلة “لتدوير الدين” بدلًا من تقليصه.
ويؤكد أن التصكيك -رغم كونه لا يُنقل الملكية مباشرة- يُبقي على العبء المالي عبر بنود أخرى في الموازنة، إذ تُعامل الصكوك كمصروفات مستقبلية تتطلب التزامات دورية، حتى لو انخفضت المؤشرات المحاسبية للدين.
وأشار فؤاد إلى أن بعض الأصول المخصصة قد لا تولد دخلًا حقيقيًا، مما يضع مسؤولية السداد بالكامل على الدولة، وهو ما يمثل مخاطرة في حال غياب التدفقات النقدية الكافية لتغطية العوائد المطلوبة.
هل هو بيع للأصول؟ الإجابة في التفاصيل
يُفرّق الاقتصاديون بين التصكيك كأداة مالية وبيع الأصول مباشرة. ففي النموذج المصري الحالي، تبقى الأصول باسم “شركة غرض خاص” (SPV) تُنشأ خصيصًا لهذا الغرض، ولا تنتقل ملكيتها للمستثمرين إلا في حال تعثر الدولة في السداد، وهو احتمال وإن كان بعيدًا، يثير قلقًا لدى بعض المراقبين.
ويقول فؤاد إن “إصدار صكوك بلا رؤية واضحة لإدارة العائدات أو ضمانات إنتاجية للمشروعات يمكن أن يؤدي إلى تعقيدات مالية لاحقة، حتى لو لم يُبع الأصل فعليًا”.
التوصيات والتحذيرات
دعا خبراء إلى ضرورة وضع إطار قانوني وتنفيذي شفاف لعملية التصكيك، يتضمن:
-
إعلان الجهات المسؤولة عن إدارة الصكوك.
-
توضيح خطة استخدام العوائد.
-
إصدار تقارير دورية عن أداء المشاريع الممولة.
-
تحديد السيناريوهات البديلة في حال تعثر السداد.
توازن بين الحاجة والسيادة
في ظل أزمة اقتصادية عالمية، وتراجع مصادر العملة الصعبة، تجد الحكومة المصرية نفسها مضطرة إلى ابتكار أدوات تمويلية جديدة دون التفريط في السيادة على الأصول. وبين من يرى في الصكوك فرصة استثمار، ومن يعتبرها خطوة محفوفة بالمخاطر، يبقى الفيصل في شفافية التنفيذ وحسن الإدارة.