في مشهد يحمل أبعادًا رمزية عميقة، قررت السلطات الفرنسية تجريد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي من وسام جوقة الشرف، أرفع وسام في الجمهورية الفرنسية، بعد تثبيت إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ، في خطوة نادرة تُعبّر عن رفض الدولة لأي مساس بهيبة العدالة ومكانة رموزها.
من قصر الإليزيه إلى سوار إلكتروني
الرئيس الفرنسي الأسبق (2007-2012)، والذي كان يعد أحد أبرز وجوه اليمين الفرنسي، واصل معاركه القضائية بعد خروجه من الحكم، لتتوج هذه المعارك بحكم بالسجن ثلاث سنوات، واحدة منها مع النفاذ، بسبب محاولته عام 2014 عقد صفقة مع قاضٍ مقابل معلومات حساسة.
الحكم شمل وضعه تحت المراقبة بسوار إلكتروني في سابقة لرئيس سابق في فرنسا، واستمر ذلك لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يُفرج عنه جزئيًا منتصف مايو الماضي، نظرًا لتقدمه في السن (يبلغ الآن 70 عامًا).
التجريد من الوسام: ضربة رمزية
قرار تجريده من وسام جوقة الشرف صدر بموجب مرسوم رسمي اليوم الأحد، بعد أن أكدت المحكمة العليا الإدانة في 2023. ورغم أن هذا الإجراء كان متوقعًا وفقًا لقواعد منح الوسام، فقد واجه معارضة من الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، الذي لطالما احتفظ بعلاقات ودية مع ساركوزي، ويلتقيه بانتظام.
هذا التجريد يجعل من ساركوزي ثاني رئيس فرنسي سابق يُجرّد من الوسام بعد المارشال فيليب بيتان، الذي أدين بالخيانة والتعاون مع النازيين في 1945، مما يعمّق البعد الرمزي والخطورة السياسية لهذا القرار.
قضايا تلاحق الرئيس السابق
بالإضافة إلى إدانته بقضية “التنصت” والفساد، يواجه ساركوزي محاكمة جديدة تتعلق باتهامه بـتلقي تمويل غير قانوني لحملته الانتخابية عام 2007، عبر علاقات مزعومة بالنظام الليبي السابق بقيادة معمر القذافي. ومن المقرر أن تصدر المحكمة حكمها في سبتمبر/أيلول المقبل، حيث يطالب الادعاء بسجنه 7 سنوات.
محاولات دفاع أخيرة
ساركوزي لم يستنفد بعد أوراقه القانونية، إذ لجأ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للطعن في الحكم، متهمًا القضاء الفرنسي بارتكاب تجاوزات في محاكمته. ولكن مراقبين يرون أن فرص نجاته القانونية أصبحت محدودة ومعقدة.
خاتمة: رجل السياسة يسقط.. ويبقى الظل
رغم أزماته القانونية وتجريده من أعلى الأوسمة، لا يزال ساركوزي يحظى بتأثير في معسكر اليمين، بل ويحتفظ بعلاقات وثيقة مع الرئيس ماكرون. لكن ما لا شك فيه هو أن صورته السياسية قد تضررت بشدة، ويُنظر الآن إلى اسمه بوصفه تجسيدًا لسقوط مدوٍّ لرئيسٍ سابق تحت وطأة العدالة.