في مشهد قلّ نظيره في ملاعب كرة القدم التونسية والعربية، تواصل جماهير النادي الإفريقي كتابة صفحات مضيئة من دروس الانتماء، الوفاء، والالتزام. جماهير لم تعد تكتفي فقط بتشجيع فريقها، بل أصبحت مكوّنا فاعلا في الدفاع عن تاريخ ناديها، وحاضرة بقوة لتصحيح المسار كلما دعت الحاجة.
وفاء لا يُضاهى
رغم الأزمات المالية الخانقة التي مرّ بها النادي الإفريقي، والتي كادت تعصف بكيانه، لم تتخلّ جماهيره يوما عن مساندته. بل تحولت إلى شريان حياة حقيقي، تنظّم الحملات، تجمع التبرعات، وتسارع لسداد الديون وإنقاذ الفريق من العقوبات. في وقت صمتت فيه بعض الأطراف الرسمية، كانت الجماهير وحدها تقف كالسدّ المنيع، تثبت أن حبّ الألوان لا يُقاس بالنتائج.
دروس في المسؤولية المدنية
لم تكتف جماهير الإفريقي بالمساندة العاطفية، بل جسّدت نموذجًا نادرًا من تحمل المسؤولية الجماعية. نظّمت حملات تحت شعار “أوفياء لا ننسى”، وأطلقت مبادرات خلاقة لجمع الأموال، من المساهمات الرمزية إلى المزادات الرياضية، وصولاً إلى الحملات الرقمية التي لاقت صدى واسعًا محليا ودوليا.
وقد أثبتت التجربة أن الجماهير الواعية قادرة على أن تكون قوة إصلاح ودعم، إذا ما تم توجيهها وتقدير مجهودها، بعيدًا عن محاولات التسييس أو الاستغلال.
رسالة إلى بقية النوادي
جماهير النادي الإفريقي قدّمت درسا مفتوحا لبقية الأندية التونسية: أنّ العلاقة بين الفريق وأنصاره لا تُبنى فقط على البطولات، بل على قيم أعمق بكثير: الحبّ غير المشروط، المسؤولية، والمشاركة الفعّالة في رسم مستقبل النادي.
كم من نادٍ آخر شهد عزوف جماهيره عند أول أزمة أو خلاف إداري؟ وكم من نادٍ وُجهت له انتقادات لاذعة من أنصاره بدل أن يقفوا إلى جانبه؟ الإفريقي، بجماهيره، رسم مسارا مختلفا، قد يكون أكثر صعوبة، لكنه الأصدق والأبقى.
كلمة أخيرة
في زمن تغيّرت فيه المفاهيم وتبدلت فيه الولاءات، يثبت جمهور النادي الإفريقي أنه ليس مجرد مشجعين على مدارج الملاعب، بل هو روح النادي، وضميره الحيّ، وسندُه الذي لا ينكسر. وهو بذلك لا يمنح دروسًا لجماهير الفرق الأخرى فحسب، بل يرسل أيضًا رسالة قوية إلى كل المسؤولين