حل رئيس الدولة، قيس سعيد، يوم أمس الأحد بروما، للمشاركة في قمة “إيطاليا-إفريقيا.. جسر للنمو المشترك”، التي تنعقد أشغالها يومي 28 و29 جانفي بالعاصمة الإيطالية. ويأتي انعقاد هذه القمة في سياق مسار بدأته الحكومة الإيطالية منذ تولي مهامها، عبر العديد من الاجتماعات، أهمها المؤتمر حول التنمية والهجرة المنعقد بروما في جويلية الماضي.
وخلال هذا الحدث، ستتقاسم إيطاليا مع البلدان الإفريقية المبادئ التوجيهية لخطة “ماتيي”، وهي الخطة التي تعتزم روما بلورتها مع ممثلي الحكومات الإفريقية وتقديمها إلى الدول الأوروبية الأخرى كنموذج للتعاون والتنمية المتكافئة. وتمثل قمة إيطاليا-إفريقيا، مناسبة لتعزيز أسس العلاقة القائمة بين الجانبين، والتي تقوم على عدة مرتكزات أساسية، هي الأمن الغذائي، الثقافة والتكوين، الأمن الطاقي، التنمية الاقتصادية والبنيوية، مكافحة الاتجار بالبشر والإرهاب، وتدبير الهجرة القانونية.
في هذا الإطار، تتأكد المكانة الرئيسية لدول الجنوب وافريقيا، بشكل عام، ومن أبرزها تونس التي يربطها بإيطاليا مشروع طاقي مهم، في السياسة الخارجية لهذا البلد نظراً للمصالح التي تربط روما بهذه الدول في مجال الطاقة والمبادلات التجارية، وذلك فضلاً عن التحديات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية وعدم الاستقرار في بعض مناطق شمال إفريقيا ودول الساحل التي تعرف مشاكل اقتصادية عويصة ونزوحاً سكانياً غير مسبوق نحو الشمال.
وتطمح روما وفقاً لكل التحاليل إلى تعزيز شراكتها في افريقيا من أجل أن تضمن تحوّلها إلى منصة لتصدير الغاز باتجاه بقية الدول الأوروبية، والسيطرة في اللحظة نفسها على عمليات الهجرة غير الشرعية بناءً على مقاربة تهدف إلى تعزيز الاستقرار في دول القارة السمراء من خلال دعم مشاريع التنمية المستدامة ودعم خيارات التسوية لحل النزاعات في إفريقيا، حيث اعتمدت حكومة ميلوني، مؤخراً، برنامج عمل خاصاً بالسنوات المقبلة من أجل تطوير التعاون في كافة المجالات مع إفريقيا، وذلك في سياق استراتيجية قائمة على التركيز بشكل متزايد على الجنوب لإيجاد بدائل اقتصادية يمكنها أن تعوِّض تراجع مستويات التنمية في دول الشمال.
ومن الواضح أن إيطاليا وفضلاً عن علاقاتها المتميزة مع تونس وفي جنوب المتوسط وإفريقيا ككل، فإنها تبذل جهوداً كبيرة من أجل تطوير علاقاتها مع كل دول شمال إفريقيا لاسيما مع الجزائر وليبيا، إذ تعمل القيادة الإيطالية على إيجاد حل سياسي مستدام في ليبيا، وعلى تقوية استثمارات شركة “ايني” في مجال الطاقة في هذا البلد، لكي تضاعف من إمداداتها من غاز الجنوب، وتصبح بالتالي أهم مركز لنقل الطاقة نحو أوروبا على الرغم من محاولة كل من اليونان وتركيا الدخول في منافسة معها في هذا المجال.
في جانب اخر، كانت الشركة التونسية للكهرباء والغاز قد وقعت في أوت الفارط مع شركة تشغيل الكهرباء الايطالية “تيرنا”، اتفاقية منحة مع المفوضية الأوروبية بقيمة 307 ملايين أورو (950 مليون دينار)، لدعم تمويل مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا “الماد”، ليمثل الاتفاق بين الجانبين خطوة استراتيجية لتفعيل جسر طاقة حقيقي بين أوروبا وشمال إفريقيا.
ويبلغ مجمل استثمارات إنجاز مشروع الربط الكهربائي بين البلدين 850 مليون أورو (2640 مليون دينار)، منها 307 ملايين اورو من قبل آلية “مرفق التواصل الأوروبي”، وهو برنامج أوروبي مخصص لدعم مشاريع تطوير البنى التحتية للطاقة في الاتحاد الأوروبي، ومشروع “الماد” سيمكن تونس من أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة من خلال ربط شبكة الطاقة التونسية بالشبكة الأوروبية واسعة النطاق من خلال الكابل البحري.
الشروق