يعتبر موضوع الهجرة السرية من أكثر المواضيع إثارة للجدل، و كون تونس بلدا مطلا على أوروبا جعل منها نقطة عبور لمختلف البلدان التي يحلم شعبها الفقير بغد أفضل بإحدى دول القارة العجوز.. و لكن هذه الأحلام “البريئة” صنفت تونس كدولة مصدرة للمشاكل و الجثث، فلما لا تصبح تونس مستقرا و موطنا لكل من يرغب في الهجرة و خوض غمار رحلة الموت؟
في اطار فعاليات أشغال الندوة الوطنية لقسم العلاقات العربية والدولية بالاتحاد العام التونسي للشغل أيام 7 و8 فيفري 2023 ، التأمت حلقة نقاش حول الهجرة بحضور السيد “سامي العدواني” مدير مشروع الهجرة لغرب وشمال افريقيا ومستشار مؤسسة “ايبرت” مكتب تونس، والسيدة “فردوس الورتاني” المنسق الوطني لمشروع “FAIR” برنامج التوظيف العادل المتكامل، والسيد “عبد القادر المهذبي” منسق دائرة الهجرة في الاتحاد العام التونسي للشغل، والسيد “فتحي التليلي” رئيس اتحاد العمال المهاجرين التونسيين، والسيد “عزيز صمود” منسق عام بالمنظمة الدولية للهجرة بتونس.
وناقش المشاركون خلال هذه الحلقة جملة من المحاور مثل ظاهرة الهجرة الغير نظامية والإنقطاع المبكر عن الدراسة، وتشغيل الأجانب واقامتهم بالبلاد التونسية وما يطرحه من اشكاليات من الجانب القانوني والعملي.
سـامي العدوانـي
يتولى الاتحاد الاوروبي وضع سياسة عامة للهجرة إلى أوروبا منذ عام 1998، وقد اتفقت دول الاتحاد الاوروبي على ضرورة وجود قواعد عامة وشاملة للاتحاد الاوروبي فيما يتعلّق بالهجرة، وأن تكون هذه القواعد مُطبّقة في جميع أنحاء الاتحاد الاوروبي، مع تونس اليوم جميعها مرتبطة بالحد من الهجرة، وأهمها الموقعة بين البلدين الرئيسيين في خطّ المواجهة تونس وإيطاليا، ويمكننا تلخيص هذه الاتفاقيات فيما يلي:
1- اتفاقية 06 أوت 1998
تنص هذه الإتفاقية على إعادة قبول المهاجرين التونسيين وكذلك جميع المواطنين الذين عبروا تونس، يشمل الاتفاق أيضا إنشاء مراكز احتجاز ممولة من إيطاليا على الأراضي التونسية. في المقابل: تحديد حصص دخول للعمال التونسيين إلى إيطاليا.
2- اتفاقية 13 ديسمبر 2003
و هي اتفاقية تقضي بتعزيز التعاون المشروط بين الدولتين. ففي مقابل حصص هجرة العمالة، توفر إيطاليا حسب هذا الاتفاق التدريب وبناء القدرات التقنية لقوات الشرطة التونسية للسيطرة على الحدود البحرية.
3- اتفاقية 27 جانفي 2009
تم توقيع هذه الاتفاقية بين وزيري الداخلية في البلدين، مما سمح بتسريع عملية تحديد وطرد المواطنين التونسيين أو الأشخاص الذين عبروا تونس، ويهدف إلى تنظيم عودة 500 مهاجر إلى تونس محبوسين في مركز احتجاز لامبيدوزا.
4- اتفاقية 05 أفريل 2011
هي اتفاقية تهدف لتعزيز السيطرة على ما يسمى بالهجرة غير النظامية والطرد. وبموجب هذا الاتفاق تستقبل تونس طائرتين لترحيل المهاجرين أسبوعيا من مدينة باليرمو إلى مطار النفيضة في تونس.
وفي 03 مارس 2014 وقعت تونس إعلانا مشتركا مع الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تنفيذ شراكة التنقل. الاتفاق، الذي يحمل اسمًا يناقض جوهره، ينص على “تطوير التعاون في مجال إعادة القبول من خلال تنفيذ الإلتزامات القائمة بين تونس والدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بتحديد الهوية وإصدار وثائق السفر للأشخاص الذين سيتم قبولهم مرة أخرى وإبرام اتفاقية إعادة قبول بين الإتحاد الأوروبي وتونس بما يتماشى مع معايير الإتحاد الأوروبي في هذا المجال.
عمليات الهجرة غير النظامية من السواحل التونسية ما انفكت تتزايد وتتخذ أشكالًا جديدة، وبرزت في الآونة الأخيرة ظاهرة هجرة عائلات بأكملها وبداية ذروتها كانت فترة تفشي فيروس كورونا، وقد طلب الاتحاد الاوروبي من تونس إيقافا عاجلا لعمليات الهجرة غير النظامية، علما و أن عمليات التدخل والانقاذ خلال الثلاث سنوات الأخيرة تضاعفت لأكثر من 90% مقارنة بالسنوات الماضية “من 300 تدخل في السنة إلى قرابة 3000 تدخل”.
بلغت رحلات الهجرة في سنة 2022 الى السواحل الايطالية 45 ألف رحلة، منها 18 ألف اجتازوا الحدود وتمكنوا من الوصول إلى ايطاليا. وحسب المعلومات المتوفرة لشهر جانفي 2023، تمكن أكثر من 2500 تونسي من الوصول إلى ايطاليا عبر قوارب الموت.
الازمات الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسبة البطالة وانسداد الآفاق أمام العديد من الشباب خاصة مع صعوبة التحصل على تأشيرة تجعل العديد منهم يفكر في اجتياز الحدود البحرية في اتجاه اوروبا في رحلات غير نظامية، ظاهرة جديدة في الفترة الأخيرة تتمثل في اشتراك ثلاثة أو أربعة انفار وشراء قارب صغير والتخلي على ما يعرف بـ “الحرّاق” للوصول إلى السواحل الايطالية بتكلفة يمكن أن تكون أقل من الموجود أو بغياب الرحلات على البعض منهم، زد على ذلك المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الحالمين بالهجرة عبر سواحل البلاد التونسية الذين ارتفع عددهم في السنوات الأخيرة خاصة في ولايات الجنوب القادمين من ليبيا. في نفس الوقت تستقطب أوروبا الكفاءات التونسية بطرق غير قانونية وبانتدابات عشوائية دون وساطة أو اتفاقية بين عدد من الدول الأوروبية ومؤسساتنا الوطنية مع ضعف في التفاوض من الديبلوماسية التونسية تجاه الاتحاد الاوروبي.
دور النقابات في الهجرة المنظمة ضروري بعد التنسيق بين الطرف التونسي والبلد الاوروبي والتأثير على الحكومات لتأطير سياسات الهجرة في أطر قانونية وهذا الدور الذي قام به الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة بعد أن كان طرفا في تأسيس RSMMS
Réseau Syndical Migrations Méditerranénnes Subsaharienne
الشبكة النقابية للهجرة ببلدان المتوسط وجنوب الصحراء.
حول حوكمة الهجرة في تونس قدم السيد عبد القادر المهذبي معطيات احصائية خاصة بالمهاجرين والسياسات العمومية والتحديات المستقبلية للهجرة في تونس.
على المستوى العالمي يبلغ عدد المهاجرين 281 مليون نسمة أي بنسبة 3,6% من سكان العالم وكان عددهم قبل خمسة سنوات 258 مليونا، نسبة النساء فيهم تقدر بـ 48 %.
بالنسبة للتونسيين المهاجرين تجاوز المليون وأربع مائة ألف نسمة 62,6 ذكور و 37٫4 اناث، و تعتبر فرنسا الوجهة الاولى للتونسيين تليها ايطاليا والمانيا و 8٫6% الدول العربية و 3,4% أمريكا وكندا.
سنة 2022 بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا الى ايطاليا 18148 حسب وزارة الداخلية الايطالية “3 مرات مقارنة بالعدد الموجود سنة 2017” في نفس الوقت 33800 مهاجر تم انقاذهم خلال الهجرة غير النظامية سنة 2022 حسب احصائيات رسمية للحرس الوطني، وخلال خمس سنوات من سنة 2016 والى غاية 2021 توفوا 16308 في البحر من جنسيات مختلفة في العالم ،عدد المهاجرين المستقرين في تونس حسب المسح الأخير للمعهد التونسي للإحصاء بلغ 59000 منهم 36% من جنوب الصحراء و 37% من المغرب العربي و 18٫5% من أوروبا.
سنة 2022 بلغ عدد تحويلات العملة الصعبة للتونسيين بالخارج 8188 مليون دينار أي بنسبة تطور 11٫5% مقارنة بسنة 2021 وتضاعفت هذه النسبة ثلاثة مرات منذ سنة 2010 حيث كانت تقدر بـ 2330 مليون دينار وهي تمثل نسبة هامة من احتياطي العملة الصعبة في تونس والتي تصل الى 20%.
يعاني قطاع الهجرة من تشتت المصالح والهياكل المشرفة عليه ، وذلك رغم احداث وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج التي بقيت مجرد تسمية فقط ولم يتم تفعيلها إلى حد هذا اليوم ، حيث تشرف وزارة الشؤون الاجتماعية على ديوان التونسيين بالخارج الذي أحدث سنة 1988 والمرصد الوطني للهجرة الذي أحدث سنة 2014 كما تشرف وزارة الاقتصاد على الوكالة التونسية للتعاون الفني التي احدثت سنة 1972 كما تشرف وزارة التشغيل والتكوين المهني على الإدارة العامة للتوظيف بالخارج ووحدة التوظيف بالخارج التابعة للوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل، في نفس الوقت وزارة الشؤون الخارجية على الإدارة العامة للشؤون القنصلية ووزارة الداخلية على إدارة الحدود والأجانب ولا ننسى تدخلات البنك المركزي وديوان التونسيين بالخارج ، هنا نفهم أن التشتت في الهياكل يؤثر سلبا على قطاع التونسيين بالخارج رغم مقدرة التحويلات المالية والتي تمثل ضعف موارد القطاع السياحي.
نلاحظ أيضاً عدم وجود هيكل يعنى بالهجرة الوافدة حيث يتزايد عددهم في المجتمع ويعمل أغلبهم في القطاع الغير منظم ، أو في الفلاحة والبناء والخدمات بدون تغطية صحية واجتماعية.
ومن جانب السياسات العمومية ، الاتفاقات الثنائية متعددة الأطراف حول الهجرة لا تضمن حقوق التونسيين وكرامتهم، ولا توجد سياسة واضحة للكفاءات، ونجد سياسة هجرة انتقائية وتحوّلنا من نهب الخيرات أثناء الاستعمار المباشر الى نهب العقول خلال الاستعمار الغير مباشر. ومن بين القرارات الإيجابية صدور عــــ2ــــدد قوانين حول الاتجار بالبشر واخر بمناهضة التمييز العنصري، لم تقع المصادقة على الاستراتيجية الوطنية للهجرة والتونسيين بالخارج من قبل الحكومات المتعاقبة والتي تم اعدادها بطريقة تشاركية بين الهياكل العمومية والاتحاد العام التونسي للشغل وجمعيات وطنية وجمعيات التونسيين بالخارج.
التحدي الأول هو مراجعة الاتفاقات الثنائية متعددة الأطراف حول الهجرة بصفة عامة بما يضمن حقوق التونسيين وكرامتهم واعتماد توجه وطني موحد يعنى بقضايا الهجرة واستراتيجية التشغيل والمحافظة على نسق تحويلات التونسيين بالخارج والترفيع فيها وايجاد رؤية واضحة وموحدة حول كيفية التعامل مع المهاجرين المستقرين في تونس واحداث هيكل وزاري يشرف على هذا القطاع لتجاوز التشتت الموجود.