حنان العبيدي
تتجه الأوضاع المالية في الولايات المتحدة نحو منعطف خطير، وسط تحذيرات متزايدة من شحّ السيولة وتداعياته المباشرة على ملايين الأمريكيين، في وقت لم يعد الحديث عن “إغلاق حكومي محتمل” مجرد احتمال بل أصبح سيناريو وشيك الوقوع.
التحذير الأبرز جاء من جون ثون، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، الذي عبّر صراحة عن قلقه قائلاً إن “الأمور تتجه للأسوأ”، في إشارة إلى ما قد يحدث مع نهاية الأسبوع الحالي، حين تنفد الأموال المخصصة لبرامج الدعم الغذائي المعروفة بـ”الفودستامبس”.
انهيار برامج الدعم الغذائي
تُعدّ برامج المساعدات الغذائية من أكثر أدوات الحماية الاجتماعية انتشارًا في الولايات المتحدة، إذ يستفيد منها ملايين الأمريكيين منخفضي الدخل. غير أن مصادر تمويلها باتت شبه مستنزفة، ومع نهاية الأسبوع الحالي ستنفد تمامًا في بعض الولايات، حيث أعلنت نحو 25 ولاية عن تقليص المساعدات أو تعليقها مؤقتًا.
هذا التطور يعكس عمق أزمة السيولة في الخزينة الفدرالية، التي تواجه ضغطًا غير مسبوق نتيجة ارتفاع الدين العام وتباطؤ المداخيل الحكومية، وسط خلافات حادة داخل الكونغرس بشأن تمرير ميزانية مؤقتة لتفادي الإغلاق الكامل.
تداعيات مباشرة على الموظفين الفدراليين
الأزمة لم تقف عند حدود المساعدات، بل امتدت إلى رواتب عشرات آلاف الموظفين الحكوميين، الذين قد يتلقون رواتب منقوصة أو يتوقف صرفها بالكامل بنهاية الأسبوع القادم. ومن بين الفئات المهددة، موظفو أمن المطارات (TSA) والمراقبون الجويون، وهما قطاعان حيويان في منظومة النقل الجوي الأمريكي.
تاريخيًا، شهدت البلاد مشهدًا مشابهًا سنة 2019، حين رفض عدد من المراقبين الجويين الالتحاق بعملهم أثناء الإغلاق بسبب تأخر الرواتب، ما أدى إلى شلل جزئي في حركة الطيران وتأخير آلاف الرحلات. واليوم، يخشى كثيرون أن يتكرر السيناريو ذاته، مع مؤشرات مبكرة على تزايد طلبات الإجازة بين العاملين في هذا القطاع الحساس.
سياسة ومالية على حافة الهاوية
الأزمة الراهنة ليست اقتصادية بحتة، بل تحمل في طياتها خلفيات سياسية عميقة. فالصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين حول حجم الإنفاق العام وتمويل برامج الدعم الاجتماعي يعرقل الوصول إلى اتفاق، فيما يزداد الضغط الشعبي على الإدارة الأمريكية لتجنّب إغلاق جديد، قد تكون تكلفته السياسية فادحة في عام انتخابي حساس.
وفي تحليل نشره موقع “Politico”، وُصفت الأزمة الحالية بأنها “الإغلاق الأكثر قبحًا”، في إشارة إلى تعقّدها وتشابك آثارها المالية والاجتماعية والسياسية على حدّ سواء. فالمشكلة لم تعد تقتصر على الرواتب أو الدعم الغذائي، بل تهدد ثقة الأسواق والمستثمرين في قدرة واشنطن على إدارة أزمتها المالية الداخلية.
نحو مرحلة حرجة
بين التحذيرات المتتالية وغياب التوافق السياسي، يبدو أن أزمة السيولة الأمريكية تدخل مرحلة حرجة. ومع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو الاقتصادي، يخشى خبراء الاقتصاد أن يتحول النقص المؤقت في التمويل إلى اختناق مالي مزمن، يضع الاقتصاد الأكبر في العالم أمام اختبار جديد من نوعه.

















