يُعدّ مسرح الجم الأثري واحدًا من أروع المعالم الرومانية في تونس والعالم، فهو ثالث أكبر مدرّج روماني ما يزال قائما إلى اليوم بعد الكولوسيوم في روما ومدرّج كابوا شُيّد في القرن الثالث ميلادي بأمر من البروكونسول الروماني غورديان، ولا يزال شامخًا في قلب مدينة الجم (ولاية المهدية) شاهدًا على تاريخ طويل من القوة والهيبة والفن بسعته التي تناهز الـ 30 ألف متفرج وتصميمه المعماري الفريد يشكّل هذا الصرح تحفة هندسية تعكس مدى التطور العمراني الذي عرفته إفريقية الرومانية
لكن مسرح الجم لم يبق مجرّد أثر حجري صامت، بل تحوّل منذ عقود إلى فضاء حيّ للفن والثقافة حين استعاد دوره الأصلي كفضاء للعروض ولكن هذه المرة عبر مهرجان الجم لموسيقى السنفونيات الذي يُقام كل صيف منذ سنة 1985 هذا المهرجان العريق أصبح علامة فارقة في المشهد الثقافي التونسي حيث يجتمع عشاق الموسيقى الكلاسيكية من تونس وخارجها للاستمتاع بليالٍ استثنائية تجمع بين روعة المعمار وجلال الموسيقى
مهرجان موسيقى السنفونيات… حوار حضارات تحت قبة السماء
ما يميز مهرجان الجم ليس فقط جودة العروض السنفونية العالمية التي تُقدَّم فيه من قبل أوركسترات مرموقة بل أيضًا أجواؤه الخاصة التي يصعب أن تتكرر في أي مكان آخر. فالعرض لا يقام في قاعة مغلقة بل تحت السماء الصيفية لمدينة الجم، وبين جدران رومانية عمرها قرابة ألفي عام فيتحوّل المكان إلى مسرح مفتوح يذيب الفوارق بين الحاضر والماضي
وقد استضاف المهرجان على امتداد سنواته أهم الفرق العالمية من إيطاليا، ألمانيا النمسا فرنسا، وروسيا إلى جانب حضور أوركسترات تونسية وعربية متميزة. وهو بذلك أصبح جسرا للحوار بين الثقافات حيث تتلاقى الأوتار الغربية مع إيقاعات الجنوب في مشهد يعبّر عن الانفتاح والكونية
قيمة حضارية وسياحية
يمثل مسرح الجم ومهرجانه السنوي رافعة سياحية كبرى إذ يقصد آلاف الزوار مدينة الجم خصيصا للاستمتاع بهذه التجربة الفريدة التي تمزج بين السياحة الثقافية والتاريخية كما أن إدراج المدرج الروماني بالجم ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ سنة 1979 يضاعف من قيمته الرمزية ويجعل من المهرجان تظاهرة ذات إشعاع دولي
بين الماضي والمستقبل
مسرح الجم الأثري ومهرجان السنفونيات ليسا مجرد حدثين منفصلين بل هما قصة متواصلة بين الماضي والحاضر، حيث يواصل الحجر الروماني احتضان أصوات الموسيقى العصرية،وكأنّه يقول للعالم إن الفن هو اللغة الوحيدة القادرة على تجاوز القرون والحدود
سامي غابة