من الثورة الصناعية إلى الثورة الذكية
لآلاف السنين، لم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي العالمي 0.1% سنويًا. لكن منذ الثورة الصناعية، تسارعت العجلة، ووصل المتوسط إلى 2.8% في القرن العشرين. اليوم، يقف العالم على أعتاب تحول قد يُعيد تعريف معنى “النمو” نفسه، مدفوعًا بثورة الذكاء الاصطناعي العام.
نمو بـ30% سنويًا؟
يرى متفائلون – مثل سام ألتمان، مدير “OpenAI” – أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي معظم المهام المكتبية بفاعلية تتفوق على البشر، ما قد يدفع معدلات النمو إلى مستويات تتراوح بين 20% و30%. نظريًا، يصبح النمو غير محدود حين تتولى الآلات تطوير ذاتها وتحسين قدراتها دون تدخل بشري.
من الإنسان إلى الفكرة… إلى الآلة
بينما كان النمو سابقًا مرتبطًا بزيادة عدد السكان، ثم بالأفكار والابتكارات، فإن الذكاء الاصطناعي يفتح الباب لنمط جديد كليًا: نمو تحركه الآلات نفسها. مختبرات مؤتمتة بالكامل قد تُسرّع الابتكار بشكل غير مسبوق، وربما تُصبح واقعًا بحلول 2027.
انفجار استثماري… وفائدة مرتفعة
لكي يتحقق هذا النمو، سيكون العالم بحاجة إلى استثمارات ضخمة في الطاقة والبنية التحتية والبيانات. تقديرات “إيبوك إيه آي” تشير إلى أن حجم الاستثمار المثالي في 2025 وحده قد يصل إلى 25 تريليون دولار. لكن هذا التصاعد يهدد برفع أسعار الفائدة الحقيقية، في ظل تفضيل الإنفاق على الادخار، ما يُحدث تضاربًا بين عوائد النمو وقيمة الأصول.
هل يخسر العامل البشري؟
الذكاء الاصطناعي قد يقلل الحاجة إلى التوظيف البشري، ويضغط على الأجور. ووفق الاقتصادي ويليام نوردهاوس، فإن العوائد ستتجه لمالكي رأس المال، بينما العمال سيواجهون هشاشة اقتصادية متزايدة. مع ذلك، قد ترتفع أجور الأعمال التي يصعب أتمتتها مثل الرعاية والتعليم، في ظاهرة تُعرف بـ”أمراض باومول المعكوسة”.
تفرّد اقتصادي أم وهم رقمي؟
يُحذر البعض من المبالغة في التفاؤل. فالنمو اللامحدود يصعب تصوره نظريًا، لكن مجرد الوصول إلى نسبة 20% سنويًا سيكون حدثًا غير مسبوق. رغم ذلك، لا تزال الأسواق متحفظة، ولم تعكس السيناريو في تقييماتها. وادي السيليكون، على ما يبدو، لم يُقنع العالم بعد.
ما الذي يجب فعله؟
الوصية واحدة في كل النماذج: امتلك رأس المال. لكن ماذا تملك؟ الأسهم؟ العقارات؟ النقد؟ كل خيار يحمل تناقضاته وسط ارتفاع الفائدة، مخاطر التضخم، وطفرة استثمارية قد تقلب قواعد اللعبة.
في الختام، يظل سؤال روبرت لوكاس ماثلًا: “بمجرد أن تبدأ التفكير في آثار النمو على الرفاه البشري، يصعب التفكير في شيء آخر”. مع الذكاء الاصطناعي العام، يصبح هذا السؤال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.