في تحول لافت في مسارات رؤوس الأموال العالمية، بدأ مديرو الأموال والمستثمرون الكبار بسحب مليارات الدولارات من سندات الخزانة الأميركية، موجهينها نحو سندات الشركات، وسط تزايد القلق من تفاقم العجز المالي الأميركي وارتفاع مستويات الاقتراض الحكومي.
نزيف في سندات الخزانة… واندفاع نحو الشركات
بحسب بيانات EPFR Global، شهد شهر يونيو سحب 3.9 مليارات دولار من سندات الخزانة الأميركية، في مقابل ضخ أكثر من 10 مليارات دولار في ديون الشركات الأميركية والأوروبية المصنفة ضمن الدرجة الاستثمارية. وواصل المستثمرون هذا الاتجاه خلال يوليو بإضافة 13 مليار دولار إضافية، وهو أكبر صافي تدفق منذ عام 2015، وفق مذكرة من باركليز.
تحوّل في الأولويات: الشركات “الأكثر أمانًا”؟
التقرير الصادر عن بلومبيرغ أشار إلى أن ارتفاع العجز، المدفوع بتخفيضات ضريبية وارتفاع الفائدة، يعيد تشكيل القناعات الاستثمارية التقليدية التي كانت تعتبر سندات الحكومة الأميركية “الملاذ الآمن” الأهم.
استراتيجيو شركة بلاك روك كتبوا في مذكرة تحليلية: “الائتمان أصبح خيارًا واضحًا للجودة”، في إشارة إلى ديون الشركات عالية التصنيف.
تراجع الثقة في السندات الحكومية
القلق المتزايد من ضعف الأداء الحكومي انعكس أيضًا على التصنيفات الائتمانية. فقد خسرت الولايات المتحدة آخر تصنيف AAA لها في مايو الماضي، عندما خفضت وكالة موديز تصنيفها إلى AA1، مشيرة إلى اتساع العجز وزيادة عبء خدمة الدين، الذي قد يلتهم 30% من الإيرادات بحلول 2035 مقارنة بـ9% فقط في عام 2021.
وبحسب مكتب الميزانية في الكونغرس، قد يضيف قانون التخفيضات الضريبية الشامل للرئيس السابق دونالد ترامب نحو 3.4 تريليونات دولار إلى العجز خلال العقد المقبل.
أرباح قوية تجذب المستثمرين
في المقابل، تستفيد ديون الشركات من قوة أرباحها واستقرارها المالي. عدد كبير من الشركات الأميركية تجاوز توقعات الأرباح في موسم الإفصاح الأخير، مما عزز الثقة بها كمصدر موثوق للدخل.
ويُظهر مؤشر بلومبيرغ أن فروق الفائدة على ديون الشركات الأميركية عالية الجودة تقلصت إلى أقل من 80 نقطة أساس، مقارنة بمتوسط 120 نقطة خلال العقد الماضي، ما يعكس ارتفاع الطلب عليها.
الخلاصة: عالم يتغير واستراتيجيات تتبدل
في ظل التحديات التي تواجه الميزانية الأميركية، يبدو أن المستثمرين يعيدون النظر في تعريف “الاستثمار الآمن”. وكما قال جيسون سيمبسون، كبير استراتيجيي صناديق SPDR في State Street:
“البيئة المالية الحكومية لم تعد مطمئنة كما كانت… بينما تواصل الشركات تقديم أداء قوي ومقنع للمستثمرين”.
التحول بطيء ولكنه واضح، وقد يعيد تشكيل موازين القوة في أسواق الديون العالمية خلال السنوات المقبلة.