في وقت تمتلك فيه تونس كل المقومات الطبيعية والثقافية والطاقات البشرية التي تؤهلها لتكون وجهة سينمائية إقليمية، ما تزال صناعة السينما والسمعي البصري تراوح مكانها، رهينة العراقيل الإدارية والتشريعية المزمنة. وهو ما حرم الاقتصاد الوطني من فرص ثمينة للنمو وخلق الثروة ومواطن الشغل، وأجهض إمكانية تحويل هذا القطاع إلى قاطرة حقيقية للتنمية.
محاولات حوار متكررة… وصمت رسمي مستمر
طيلة أشهر، سعى الاتحاد المهني للصناعة السينمائية والسمعية البصرية (UPICA) إلى إقناع السيدة وزيرة الشؤون الثقافية بضرورة فتح حوار جاد ومسؤول مع الهياكل المهنية لوضع برنامج إصلاح حقيقي للقطاع. لكن — وللأسف — لم يجد الاتحاد أي تفاعل، رغم تقديمه خطة عمل متكاملة تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال، جذب الاستثمار، وإرساء بيئة مناسبة لتنمية الصناعة السينمائية والسمعية البصرية، حتى يصبح هذا القطاع الاستراتيجي بالفعل مصدراً لقيمة مضافة عالية وديناميكية جديدة في الاقتصاد الوطني.
خطة عمل واضحة… تنتظر إرادة سياسية للتطبيق
تعتمد خطة العمل المقترحة من UPICA على مبدأ التعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف والوزارات المتداخلة لضمان الفاعلية والاستدامة. لكنها تصطدم منذ سنوات بتعطيلات وزارة الشؤون الثقافية، التي لم تكتف بعدم التفاعل، بل عمدت إلى عرقلة المبادرات التشريعية لتغيير الإطار القانوني للقطاع، متجاهلةً مقترحات إصلاح وإعادة هيكلة المركز الوطني للسينما والصورة، الذي يفترض أن يقود عملية تطوير الصناعة السينمائية.
تسهيل التمويل وتحفيز الإنتاج المشترك
يشدد الاتحاد في خطته على ضرورة:
-
إحداث آليات تمويل بديلة عبر تطوير الضمان البنكي، بإنشاء صندوق خاص للتشجيع على الاستثمار في القطاع السينمائي والسمعي البصري ضمن مشروع قانون المالية.
-
تشريك الصندوق التونسي للاستثمار في حوكمة هذا الصندوق لضمان مضاعفة الموارد وخطوط التمويل.
-
تشجيع المركز الوطني للسينما والصورة على إبرام اتفاقيات إنتاج مشترك مع دول أخرى لتعزيز التعاون الدولي وتطوير الإنتاج.
استثمارات في البنية التحتية
توصي خطة UPICA بوضع استراتيجية وطنية لاستقطاب استثمارات في البنية التحتية للقطاع، مثل إنشاء مخابر تقنية حديثة واستوديوهات تصوير كبرى لجذب إنتاجات ضخمة. كما تقترح إطلاق برنامج وطني لإعادة تأهيل قاعات السينما وإحداث أخرى جديدة بهدف توفير قاعة سينما في كل معتمدية بحلول سنة 2030.
تنمية الصناعة السينمائية في الجهات
لتحقيق العدالة الاقتصادية وتعزيز التنمية المحلية، يقترح الاتحاد تركيز أقطاب سينمائية تقنية في مناطق اقتصادية حرة بالأقاليم، مع دعم تنظيم المهرجانات السينمائية والتظاهرات الثقافية في مختلف الجهات، مع مراعاة خصوصية كل منطقة لخلق ديناميكية اقتصادية محلية.
استقطاب تصوير الأفلام الأجنبية
لزيادة جاذبية تونس إقليمياً ودولياً، يدعو UPICA إلى:
-
تأسيس لجان «تونس للأفلام» في الجهات لتسهيل تقديم الخدمات اللوجستية والمعلومات حول مواقع التصوير.
-
إحداث منظومة «الشباك الموحد» لتراخيص التصوير في المركز الوطني للسينما والصورة لتسريع الإجراءات.
-
تقديم امتيازات جبائية وتبسيط الإجراءات الديوانية لجذب الشركات الأجنبية.
تحديث الإطار القانوني وإصلاح الهياكل
يؤكد الاتحاد على ضرورة تنقيح التشريعات المنظمة للقطاع حتى تواكب التطورات التكنولوجية والاقتصادية، إلى جانب إصلاح وإعادة هيكلة المركز الوطني للسينما والصورة، من خلال تطوير طرق تسييره، رقمنة خدماته وتبسيط إجراءاته الإدارية، بما يخلق ديناميكية مستدامة في هذا القطاع الاستراتيجي.
متى نلتقط الفرصة قبل أن يسبقنا الآخرون؟
يشدد الاتحاد المهني للصناعة السينمائية والسمعية البصرية (UPICA) على أن هذه الخطة ليست مجرد وثيقة طموحة، بل تمثل فرصة حقيقية لإطلاق صناعة وطنية حديثة مربحة، قادرة على خلق الثروة ومواطن الشغل وإدخال العملة الصعبة. لكنها ستظل حبيسة الأدراج ما لم تتوفر الإرادة السياسية الصادقة للإنصات والحوار والتطبيق. إن الرهان اليوم لم يعد ثقافيًا فقط، بل اقتصادي واجتماعي بامتياز… وقطار الاستثمار السينمائي لا ينتظر طويلًا.