في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها المشهد العسكري العالمي، تتجه فرنسا بخطى حثيثة نحو ترسيخ موقعها كقوة رائدة أوروبياً في مجال الذكاء الاصطناعي الدفاعي، مستوعبة أن هذه التكنولوجيا ليست مجرد أداة دعم، بل قد تكون محور التفوق العسكري في العقود المقبلة.
الذكاء الاصطناعي: “ثورة القنبلة الذرية الجديدة”
يُشبّه خبراء عسكريون الذكاء الاصطناعي اليوم بـ”اختراع القنبلة الذرية”، لما له من قدرة هائلة على تغيير طبيعة الحروب. فهو يُستخدم لتحليل كميات ضخمة من البيانات في الزمن الحقيقي، مما يسمح باكتشاف وتتبع التهديدات والأهداف بسرعة ودقة غير مسبوقتين. كما يمكن دمجه في أنظمة الأسلحة للاستطلاع والهجوم وحتى اتخاذ القرار بشكل مستقل، مما يحول المعدات العسكرية إلى “منصات ذكية” ذات قدرة ذاتية على التحرك والتفاعل.
وقد أثبتت الحرب في أوكرانيا أن الذكاء الاصطناعي الدفاعي لم يعد موضوعًا نظريًا، بل واقعًا ميدانيًا، إذ تنتشر الروبوتات والطائرات المسيّرة وأنظمة الاستهداف الآلي على نطاق واسع.
استثمار استراتيجي: 2 مليار يورو حتى عام 2030
ضمن استراتيجية الدفاع والابتكار التكنولوجي لعام 2021-2030، خصصت فرنسا استثمارًا بقيمة ملياري يورو لتطوير الذكاء الاصطناعي في المجال الدفاعي. الهدف المعلن: تحقيق الريادة الأوروبية في هذا المضمار الحاسم.
تشمل هذه الاستثمارات:
-
تطوير “أنظمة الأسلحة الذكية” التي تتميز بالقدرة على التحليل والاستهداف الآلي.
-
إدماج الذكاء الاصطناعي في أنظمة المراقبة والاستطلاع الجوية والبحرية والبرية.
-
تعزيز الشراكة مع الشركات الناشئة الفرنسية والقطاع الخاص التكنولوجي من خلال برامج مشتركة للبحث والتطوير.
-
تأسيس بنية تشريعية وأخلاقية للتعامل مع التحديات القانونية والأخلاقية الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب.
التوازن بين الابتكار والمساءلة الأخلاقية
تحرص فرنسا على الحفاظ على معايير أخلاقية وإنسانية في استخدام الذكاء الاصطناعي الدفاعي. فقد أكدت وزارة الدفاع الفرنسية التزامها بأن يكون الإنسان دائمًا “في قلب القرار”، وأن لا تُفوّض المهام القاتلة إلى آلات بدون رقابة بشرية، وذلك اتساقًا مع المبادئ الدولية حول الأسلحة ذاتية التشغيل.
السياق الجيوسياسي والتحدي الأوروبي
تسعى فرنسا أيضًا لأن يكون هذا التوجه جزءًا من سياسة دفاع أوروبية موحدة، في مواجهة التقدم الصيني والأمريكي المتسارع في هذا المجال. فهي تعتبر أن السيادة الرقمية والعسكرية للاتحاد الأوروبي تمر حتمًا عبر السيطرة على الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الدفاع.
نحو جيوش ذكية تحت الراية الفرنسية؟
الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية عسكرية، بل مكونًا جوهريًا في معادلة الردع والسيادة الوطنية. ومن خلال استراتيجيتها الطموحة، تراهن فرنسا على امتلاك مفاتيح المستقبل العسكري الذكي، ليس فقط لحماية مصالحها، بل أيضًا لرسم ملامح جديدة للأمن الأوروبي في عصر التحول الرقمي العسكري.