رسالة وداع إلى صديق وزميل ارتقى إلى مرتبة أخ
بالأمس فقط، كان الحزن أكبر من أن يُكتب، وكانت الصدمة أعمق من أن تُروى. استعصى عليّ أن أخطّ ولو كلمتين في رثاء من رحل. اليوم، ورغم ثقل الفقد، وجدتني مدفوعًا بالكلمة، لا لأرثي صديقًا فقط، بل لأودّع أخًا ورفيق دربٍ وصاحب نضال، اسمه شوقي قداس.
علاقتي بشوقي لم تكن سطحية، ولم تكن علاقة زمالة عابرة. كانت علاقة صادقة، متجذّرة، مليئة بالمواقف والمبادئ والعمل المشترك. كنت محظوظًا أن جمعتني به التجربة من بوابة الحيّ، حي رياض الأندلس. ومن هناك بدأت أتعرف على رجل قلّ نظيره، رجل صاحب حسّ وطني عالٍ، صاحب مواقف لا تُنسى، وصاحب كلمة لا تُشترى.
في حي رياض الأندلس، كان شوقي من الداعمين الكبار للعمل الجماعي. اشتغل بجهد كبير داخل لجنة “السنديك”، وبذل ما بوسعه من أجل تنظيم شؤون المتساكنين، بصدق، برقي، وبكل ما لديه من خبرة وحب. لم يكن يبحث عن موقع، بل عن أثر. وكان أثره واضحًا في كل ركن.
ثم جاءت تجربة أخرى، حين انخرطنا معًا في دعم الطلبة والشباب داخل ولاية أريانة. شوقي لم يكن فقط إداريًا أو حقوقيًا، بل كان إنسانًا يحمل في داخله مشروعًا. عمل على تمكين الطلبة من الخدمات المعلوماتية، وساهم بشكل فعال في برنامج “الحاسوب العائلي“، ليقرب التكنولوجيا من العائلات، ويفتح باب المعرفة أمام شباب تونس. في زمنٍ كانت فيه المعلومة بعيدة، كان شوقي يسهر ليقرّبها.
أما عن نضاله، فقد كان صريحًا، واضحًا، مبدئيًا. كان مناضلًا حقوقيًا حقيقيًا، نذر جزءًا كبيرًا من حياته للدفاع عن الحريات الشخصية، وعن كرامة المواطن. هذا ما أهله ليرأس هيئة حماية المعطيات الشخصية، حيث خاض معارك صامتة في وجه عراقيل كثيرة، من ضيق الميزانية إلى محاولات بعض السياسيين التقليل من دور الهيئة. ومع ذلك، نجح. وترك بصمة.
على الصعيد الدولي، أصبح شوقي من كبار الخبراء في مجاله. كانت أبواب كبرى المؤسسات تُفتح له، وكان الحضور التونسي بفضله مشرفًا في كل محفل.
ولئن كانت نهايته المهنية في الهيئة مؤلمة له، بعد أن تحولت تقريبًا إلى هيئة جامدة منذ تقاعده، فإن الأثر الذي تركه لا يمكن طمسه، ولا يمكن تجاهله. لأنه بكل بساطة، شوقي لم يكن موظفًا، بل كان صاحب رسالة.
شوقي قداس…
كم هو موجع هذا الفقد!
شوقي… كنت دائمًا حاضرًا، دائمًا ضاحكًا، دائمًا قويًا.
اليوم، وأنت تغادرنا، لا نملك إلا أن نقول:
رحمك الله، وأنعم عليك بما تستحق، وجزاك عنّا وعن تونس كل الخير.
وداعًا صديقي،
وداعًا أخي.