حنان العبيدي
في سياق الجهود المتواصلة للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية ومعالجة أسبابها الاجتماعية والاقتصادية العميقة، برزت الجمعية التونسية «أولادنا» كفاعل أساسي في العمل الميداني مع الفئات الهشة، وخاصة الشباب المعرضين للانقطاع المبكر عن التعليم.
يرى رئيس الجمعية، رضوان الفارسي، أن «أولادنا» اختارت منذ تأسيسها أن تتموقع في قلب الظواهر الاجتماعية المستجدة، لتبني استراتيجية واضحة ترتكز على الاشتغال على قضايا الشباب المهمش والأطفال في وضعيات هشّة، من خلال تحفيز قدراتهم، خلق أفكار مشاريع، والعمل على الحد من الانقطاع المبكر عن الدراسة الذي غالبًا ما يدفع الشباب إلى التفكير في حلول محفوفة بالمخاطر، مثل الهجرة غير النظامية.
وقد ركزت الجمعية جهودها على المؤسسات التربوية والمعاهد والمدارس الإعدادية، سعيًا إلى ترسيخ روح المواطنة لدى الناشئة وربطهم أكثر بمناطقهم. وتجسدت هذه الجهود من خلال مشاريع ملموسة ساعدت على تقليص نسب الانقطاع عن التعليم. وخلال سنتي 2024 و2025، سجلت الجمعية مؤشرًا لافتًا حيث تبين أن 87% من الأطفال الذين اشتغلت معهم ورافقتم في إطار برامجها، واصلوا دراستهم، ما يعكس نجاعة تدخلها.
وتشتغل الجمعية ضمن استراتيجية تنسق فيها مع عدد من الوزارات والهياكل الرسمية، على غرار وزارة التربية، وزارة المرأة، وزارة الشؤون الاجتماعية، اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى شراكات مع منظمات دولية مثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وسفارة كندا. وقد ساهم هذا التنسيق في إطلاق برامج متميزة، منها «صالون التشغيل الآمن للشباب للعمل بالخارج»، الذي وفّر بدائل واقعية وحلولًا للشباب الباحثين عن فرص خارج البلاد.
وفي مواجهة ظاهرة التحيل على الشباب عبر المكاتب الوهمية للهجرة، وضعت الجمعية ضمن أولوياتها حملات توعية لحث الشباب على التعامل مع المكاتب المعترف بها رسميًا من قبل الدولة، مثلما نشرت وزارة التشغيل قائمة واضحة في هذا الغرض. كما تشجعهم على حضور الملتقيات وصالونات التشغيل التي تنظمها جمعيات المجتمع المدني، لتوجيههم إلى فرص قانونية وآمنة للهجرة النظامية.
وتعتبر الجمعية أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية، رغم أن الإجراءات الأمنية ساهمت في التقليص من عدد المهاجرين غير النظاميين الذي بلغ نحو 17 ألفًا فقط خلال سنة 2023، وفق الإحصائيات. لكنها تؤكد في المقابل أن المطلوب اليوم هو تلازم هذه المقاربة مع حلول اجتماعية واقتصادية جادة، من شأنها أن توفر فرص تشغيل وإدماج للشباب داخل تونس وتحد من اندفاعهم نحو المجهول.
كما لا تتردد الجمعية في توجيه رسائل توعوية مباشرة للشباب، خاصة الراغبين في الهجرة إلى وجهات مثل ألمانيا وإيطاليا، بضرورة تحسين مستواهم في اللغات والتوجه نحو التكوين المهني، الذي يمثل مفتاحًا أساسيًا للاندماج في أسواق الشغل الأوروبية.
بهذه الجهود المتكاملة، تواصل «أولادنا» ترسيخ دورها كجمعية تُعنى ليس فقط بمحاربة مخرجات الظواهر الاجتماعية السلبية، بل بمعالجة جذورها، بما يسهم في بناء شباب فاعل ومواطن مسؤول يرى في بلاده فرصة للنمو لا محطة عبور.