القاهرة – في خطوة لافتة ضمن محاولاتها تقليل الاعتماد على الدولار وتخفيف الضغط على الجنيه المصري، أعلنت مصر بدء سداد أقساط قرض مشروع الضبعة النووي – البالغ 25 مليار دولار – بالروبل الروسي بدلًا من الدولار، بعد اتفاق جديد مع موسكو صادقت عليه الحكومتان، في وقت تعاني فيه القاهرة من أزمة ديون متفاقمة.
وأكد نائب وزير المالية الروسي فلاديمير كوليتشيف أن صعوبة السداد بالعملات “غير المواتية” دفعت الجانبين للتحول إلى الروبل، فيما أشار وزير الصناعة الروسي إلى أن نحو 40% من التبادل التجاري الحالي مع مصر يجري بعملات محلية بالفعل.
سحابة الديون
وتأتي هذه الخطوة بينما يصف المسؤولون المصريون الدين الخارجي بأنه “سحابة سوداء” تحجب الإنجازات الاقتصادية، إذ بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر نحو 155 مليار دولار (ما يعادل 82.9% من الناتج المحلي)، مع التزام بسداد أكثر من 43 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، ونحو 118 مليارًا على مدى خمس سنوات مقبلة.
وتبلغ قيمة قرض الضبعة وحده 25 مليار دولار بفائدة 3% سنويًا، ويمتد على مدار 22 عامًا، مع نسبة إنجاز وصلت إلى 30% في المشروع النووي، المتوقع تشغيل أول مفاعلاته عام 2028.
الروبل.. حل أم مجرد مسكّن؟
يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن التحول نحو الروبل لن يخفف فعليًا من أزمة الدين المصري، موضحًا أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة القاهرة على توفير فائض من الروبل عبر زيادة صادراتها إلى روسيا أو تعزيز إيرادات السياحة الروسية.
وبحسب الأرقام الرسمية، بلغت صادرات مصر إلى روسيا العام الماضي حوالي 607 ملايين دولار فقط، مقابل واردات بنحو 6 مليارات دولار، وهو عجز كبير يجعل من الصعب توفير العملة الروسية لسداد الأقساط دون زيادة الصادرات.
بوابة الغاز والأسواق الأفريقية
ورغم التحفظ، يرى عبد المطلب جانبًا إيجابيًا في الاتفاق، إذ قد يفتح المجال أمام تحسين شروط واردات مصر من روسيا وزيادة صادراتها، بل والتعاون في مجال الغاز ليجعل من مصر منصة لتسويق الغاز الروسي في أفريقيا، بالإضافة لتوسيع التعاون في مجالات أخرى مثل القمح والسلاح.
ويتوقع خبراء أن تساهم المنطقة الصناعية الروسية المقرر إقامتها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بقيمة استثمارية 4.6 مليارات دولار في زيادة التدفقات الاستثمارية، ما يعزز احتياطات مصر من الروبل.
روسيا في مواجهة العقوبات
ويرى خبراء أن موسكو بدورها تستفيد سياسيًا واقتصاديًا من هذه الاتفاقيات، إذ تساعدها في كسر طوق العقوبات الغربية عبر توسيع استخدام الروبل في التجارة الدولية، خاصة مع دول كبيرة كسوق مصر الذي يمثل بوابة للقارة الأفريقية.
حلول جذرية مطلوبة
ويرى المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف أن الأزمة المصرية لا تتعلق فقط بنوع العملة المستخدمة في السداد، بل تحتاج القاهرة لإجراءات جذرية مثل وقف الإنفاق على المشروعات غير المجدية، ترشيد الإنفاق الحكومي، دعم الصادرات، وتقليل الواردات، معتبرًا الاستثمار في رأس المال البشري السبيل الوحيد لضمان نمو مستدام وحل أزمة الديون المزمنة.