متابعة: حنان العبيدي
في تناغم تام مع التوجّه العالمي نحو السياحة المستدامة والمسؤولة، أولى وزير السياحة سفيان تقيّة أهمية خاصة للبعد البيئي خلال زيارته إلى ولاية جندوبة، حيث أشرف على حملة تنظيف شاطئ بركوكش بطبرقة، باستعمال آلة غربلة الرمال التي تم تخصيصها لهذا الغرض.
السياحة البيئية في صلب المقاربة الجديدة: نظافة الشواطئ شرط أساسي للترويج السياحي
وتأتي هذه المبادرة لترسيخ قناعة مفادها أن المحيط البيئي النظيف يُعدّ أحد المرتكزات الأساسية لجذب السياح، وتقديم صورة إيجابية عن الوجهة التونسية، خاصة في المناطق ذات الطابع الطبيعي الخلاب مثل طبرقة، التي تجمع بين البحر والغابة والجبل.
السياحة الإيكولوجية: خيار استراتيجي لتنويع المنتج السياحي
وأكد الوزير خلال إشرافه على الحملة أن السياحة البيئية لم تعد ترفًا، بل خيارًا استراتيجيًا لتنويع العرض السياحي، واستقطاب شرائح جديدة من السياح الباحثين عن تجارب قائمة على احترام الطبيعة، والانغماس في البيئة المحلية، والانفتاح على ثقافات المجتمعات الصغيرة.
وفي هذا الإطار، شدّد على أن الوزارة تعمل على تأهيل الشواطئ والمسالك الجبلية والغابية، وتثمين المواقع البيئية والمعالم الطبيعية، ضمن رؤية متكاملة تراعي الحفاظ على المنظومات البيئية المحلية، وتشريك المجتمعات المحلية في الدورة الاقتصادية السياحية.
الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني: ركيزة النجاح
وقد مثّلت حملة تنظيف شاطئ بركوكش أيضًا فرصة لتكريس مبدأ الشراكة بين الدولة، والمجتمع المدني، والمواطنين، في الحفاظ على المحيط، من خلال تشجيع المبادرات البيئية المحلية، وتحفيز الجمعيات الشبابية والمدارس والمنظمات البيئية على الانخراط في مثل هذه التظاهرات.
وفي هذا السياق، أكد الوزير أن الوزارة ستدعم كل مجهود يندرج في إطار الحفاظ على جمال الطبيعة وتهيئة الشواطئ والمناطق الغابية، في إطار الترويج لصورة تونس كوجهة مسؤولة، تحترم المعايير البيئية والمعطيات المناخية، وتُراعي خصوصيات كل جهة.
“نزل الغابة” بعين دراهم: نموذج للاستثمار في السياحة الجبلية وتثمين الثروات الطبيعية
في إطار دعم السياحة البديلة والمستدامة بولاية جندوبة، أشرف وزير السياحة سفيان تقيّة خلال زيارته الميدانية على تدشين نزل “الغابة” بمنطقة عين دراهم، وهو مشروع فندقي جديد يُجسّد الرؤية الوطنية لتثمين الموروث البيئي والغابي واستثماره ضمن مسارات تنموية واعدة.
مشروع يربط بين الجمال الطبيعي والاستثمار السياحي
يمثل هذا النزل، الذي أُنجز بتمويل خاص في قلب غابات عين دراهم، مثالًا ناجحًا على الاستثمار الذكي في السياحة الجبلية، حيث يوفر إقامة بيئية مريحة تتناغم مع المحيط الطبيعي، ويستهدف عشاق التخييم والمشي في المسالك الجبلية، وهواة التصوير البيئي والسياحة الاستشفائية الطبيعية.
ويأتي المشروع في وقت تشهد فيه المنطقة إقبالاً متزايدًا على هذا النمط من السياحة، الذي يُراعي البيئة ويعزز التنمية المحلية، في ظل توجهات الدولة نحو تقليص الضغط على الوجهات السياحية التقليدية الساحلية.
رافعة اقتصادية واجتماعية للجهة
أكد وزير السياحة بالمناسبة أن تدشين نزل “الغابة” يمثّل إضافة نوعية للبنية السياحية في الجهة، وسيساهم في خلق ديناميكية اقتصادية جديدة، من خلال توفير مواطن شغل مباشرة وغير مباشرة، وتشجيع الفلاحة السياحية، والحرف اليدوية، والخدمات المرافقة، إلى جانب كونه خطوة أولى لتحفيز مستثمرين آخرين على المراهنة على الجهة.
كما أشار إلى أن المشروع يُعدُّ لبنة أولى في مسار تحويل عين دراهم إلى وجهة إيكولوجية متكاملة، ترتكز على التنوع الطبيعي والثقافي، وتستهدف أسواقًا سياحية جديدة مهتمة بالتجارب الأصيلة، على غرار السياحة العائلية، وسياحة المغامرة، والرفاه الطبيعي.
بيئة حاضنة للاستثمار
ويعكس هذا المشروع نجاح الجهود المبذولة من قبل وزارة السياحة والسلط الجهوية في تهيئة مناخ جاذب للاستثمار في المناطق الداخلية، من خلال توفير التراخيص، وتيسير الإجراءات، وإبراز المزايا التفاضلية التي تتمتع بها الجهة، خاصة ما يتعلّق بجمالية الطبيعة، ونقاء المناخ، وثراء التراث المحلي.
ويُنتظر أن يكون نزل “الغابة” منطلقًا لسلسلة مشاريع فندقية صغيرة ومتوسطة، تُعيد الروح للوجهات السياحية الجبلية التي عانت من التهميش خلال العقود الماضية، وتُسهم في تنويع خارطة السياحة التونسية وتنشيط الدورة الاقتصادية على المستوى المحلي.
جندوبة على طريق التحول… من الهامش إلى العمق الاستراتيجي
لم تكن زيارة وزير السياحة إلى ولاية جندوبة مجرد حدث رسمي عابر، بل مثّلت علامة فارقة في مسار إعادة الاعتبار لجهة لطالما عانت من التهميش رغم ما تختزنه من ثروات طبيعية وبشرية فريدة. من عين دراهم الجبلية إلى سواحل طبرقة، ومن ورشات الخيزران إلى مدارس التكوين، ومن حملات النظافة إلى المشاريع الفندقية الصاعدة، تتكثف المؤشرات التي تؤكد أن هذه الجهة بصدد الدخول في مرحلة جديدة من الفعل التنموي والاستثمار السياحي المسؤول.
إن الرؤية التي طرحها وزير السياحة، والتي تقوم على الانتقال من مجرد الترويج الموسمي إلى بناء منظومة سياحية متكاملة ومستدامة، تعبّر عن تحوّل جوهري في كيفية إدارة الملف السياحي في تونس، خاصة حين يصبح التكوين، والبيئة، والحرف، والفلاحة، والنقل، والمبادلات الإقليمية حلقات مترابطة في سلسلة واحدة تستهدف خلق الثروة وتحقيق الإدماج الجهوي الحقيقي.
جندوبة اليوم ليست فقط على خريطة السياحة البديلة، بل على مشارف أن تكون نموذجًا وطنيًا لنجاح لامركزية التنمية، وربط السياحة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والانفتاح الذكي على الأسواق القريبة كالسوق الجزائرية. وإذا ما تم تثبيت هذه المقاربة عبر سياسات مستدامة ومتابعة حثيثة، فإن الشمال الغربي لتونس مرشّح لأن يتحوّل في السنوات القادمة إلى أحد أعمدة الانتعاشة السياحية الوطنية… ومحرّك جديد لعجلة النمو الشامل.
