متابعة: حنان العبيدي
في لحظة فارقة تعكس تحولًا في الرؤية الرسمية نحو المناطق الداخلية، أدّى وزير السياحة والصناعات التقليدية، السيّد سفيان تقيّة، زيارة ميدانية إلى ولاية جندوبة، حملت في طياتها أكثر من مجرد برنامج عمل دوري. فقد جاءت هذه الزيارة في توقيت استراتيجي، تزامنًا مع انطلاق موسم الصيف، وفي سياق وطني وإقليمي يتطلب إعادة صياغة السياسات التنموية والسياحية على أسس أكثر عدلًا وجرأة وابتكارًا.
لم تكن المحطات التي شملتها الزيارة مجرد وقوف عند مشاريع معزولة، بل جسّدت رؤية متكاملة لبعث قطب سياحي بيئي، ثقافي، وتجاري بالشمال الغربي، يُعيد إلى جندوبة وطبرقة وعين دراهم مكانتها في خارطة السياحة المتوسطية، ويحوّلها من هامش مهمل إلى مركز استقطاب واعد، قادر على خلق الثروة، وتوفير الشغل، وتحفيز الاستثمار المحلي والدولي.
زيارة حملت رسائل متعددة: دعم السياحة الجبلية، ربط التكوين بسوق الشغل، تثمين الصناعات التقليدية، إحياء الإنتاج المحلي لمادة الخيزران، والنهوض بالمبادلات التجارية عبر المعابر الحدودية مع الجزائر. كلها عناصر تكوّن ملامح معادلة سياحية وتنموية جديدة بدأت تتشكل في هدوء الغابات، وعبق التراث، وحرارة الإرادة السياسية.
معبر ببوش الحدودي: رهان تجاري وسياحي واعد بين تونس والجزائر
في زيارة ميدانية ذات أبعاد اقتصادية وتنموية لافتة، تحوّل وزير السياحة والصناعات التقليدية، السيّد سفيان تقيّة، يوم الجمعة 20 جوان 2025 إلى معبر ببوش الحدودي، الرابط بين ولاية جندوبة والجزائر، والذي يُعد من بين أكثر المعابر نشاطًا في الشمال الغربي للبلاد.
وقد أكد عميد الديوانة بالمعبر أن 80% من حركة العبور عبر ببوش ذات طابع تجاري، وهو ما يسلّط الضوء على الدور المحوري لهذا المعبر في دعم المبادلات الاقتصادية الثنائية وتعزيز ديناميكية السوق المشتركة بين البلدين. ويعكس هذا المعبر صورة مصغّرة عن الإمكانيات الكبرى غير المستغلة التي تتيحها الحدود البرية بين تونس والجزائر، إذا ما رُفدت بمشاريع لوجستية وبنية تحتية ذكية قادرة على استيعاب تدفقات أكبر وتيسير الحركية في الاتجاهين.
ربط جوي مباشر: مقترح من المهنيين واهتمام رسمي واعد
وخلال الزيارة، طرح عدد من الفاعلين في المجال السياحي مقترحًا يتعلق بإطلاق رحلات جوية مباشرة بين مطار طبرقة–عين دراهم الدولي وعدد من المدن الجزائرية، بهدف تجاوز إشكاليات النقل البري وتحسين الربط بين البلدين، خاصة لفائدة الجهات الغربية. وقد وعد وزير السياحة بدراسة المقترح بجدية، مؤكدًا حرصه على تيسير المعاملات التجارية والسياحية، وتوفير ظروف تنقل أفضل للسياح والمستثمرين.
ويُنتظر، في حال تفعيل هذا الربط، أن يُساهم بشكل كبير في تطوير المبادلات الثنائية وتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية، انطلاقًا من مخزون طبيعي وبشري واعد تزخر به المنطقة.
جندوبة… قطب سياحي ناشئ على ضفاف التجارة
من جهة أخرى، شدّد الوزير على أنّ الوقت قد حان لتحويل ولاية جندوبة إلى قطب سياحي وتجاري متكامل، يستفيد من موقعه الحدودي مع الجزائر، ومن الثروات الطبيعية والبيئية التي تجعل منه مركز جذب استثنائي للسياحة البديلة. وأكّد أن وزارة السياحة، بالتنسيق مع مختلف الهياكل، ستعمل على تهيئة البنية التحتية، وتحفيز الاستثمار السياحي، وتكثيف الترويج الخارجي للجهة.
أفق واعد للتكامل الإقليمي
تحمل هذه الزيارة رسالة واضحة مفادها أن تنمية المناطق الحدودية لم تعد مجرّد خيار ظرفي، بل هي ضرورة استراتيجية لتحقيق التوازن التنموي بين الجهات، وفتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي بين تونس والجزائر، قوامها التكامل والتبادل والتنمية المشتركة.
أبرزت زيارة وزير السياحة إلى معبر ببوش الحدودي أنّ الحدود لم تعد مجرد خطوط فاصلة، بل تحوّلت إلى فضاءات واعدة للتكامل الاقتصادي والتعاون الثنائي بين تونس والجزائر. وقد شكّلت هذه المحطة رسالة سياسية واقتصادية واضحة مفادها أن الشمال الغربي، بفضل موقعه الجغرافي ومخزونه الطبيعي والبشري، قادر على لعب دور مركزي في دعم التبادل التجاري وتنشيط السياحة بين البلدين.
وزير السياحة يُطلق الأيام المفتوحة للتكوين بعين دراهم: نحو منظومة تكوين سياحي أكثر نجاعة واستجابة لحاجيات السوق
في إطار الاستراتيجية الوطنية لتطوير الموارد البشرية في القطاع السياحي، أدى وزير السياحة، السيّد سفيان تقيّة، زيارة إلى مدرسة التكوين في مهن السياحة بعين دراهم، حيث أشرف رفقة والي جندوبة، السيد الطيّب الدريدي، على افتتاح فعاليات الأيام المفتوحة للتكوين، وسط حضور لافت لممثلي الهياكل الجهوية، وعدد من المهنيين والمديرين العامين للمؤسسات التكوينية تحت الإشراف.
منصّة تعريف وترويج للمهن السياحية
تندرج هذه الفعاليات في سياق الانفتاح على المحيط المهني والاجتماعي للمؤسسة، حيث تهدف إلى التعريف بالاختصاصات المتوفرة في مجال التكوين السياحي، وفتح آفاق التواصل المباشر بين المؤسسة من جهة، والمترشحين أو الراغبين في الالتحاق ببرامج التكوين من جهة أخرى. وقد مثّل الحدث كذلك فرصة للتعريف بالدور الاستراتيجي الذي تلعبه المدرسة في تكوين إطارات ويد عاملة مؤهلة تواكب التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع السياحي.
إقبال متزايد وإدماج فعلي
وفي كلمته الافتتاحية، شدّد الوزير على أن قطاع التكوين السياحي في تونس يشهد نقلة نوعية من حيث البرامج، والطلب المتزايد من قبل الشباب. وأبرز في هذا الإطار أن جميع خرّيجي الوكالة الوطنية للتكوين في مهن السياحة قد تمّ إدماجهم مباشرة في سوق الشغل، بما يعكس نجاعة منظومة التكوين من حيث تأهيل الكفاءات وملاءمة المحتوى البيداغوجي مع احتياجات السوق.
وقال سفيان تقيّة: “هذا الإقبال المتنامي على مؤسسات التكوين السياحي يعكس حجم التغيّر في العقليات لدى الشباب، الذين أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية القطاع السياحي كمجال حيوي يوفّر فرصًا واعدة للتشغيل الذاتي والعمل القار.”
الرفع في طاقة الاستيعاب وتوسيع الفضاءات
وتناغمًا مع هذا التوجه، أعلن الوزير عن خطة لرفع طاقة الاستيعاب بالمراكز التكوينية السياحية، من أجل تلبية الطلب المتزايد وضمان إدماج مهني أكبر للمتكونين. ويشمل هذا الترفيع تحسين البنية الأساسية وتطوير مناهج التدريس لتشمل اختصاصات جديدة، مثل السياحة البيئية، السياحة الاستشفائية، والتسويق الرقمي السياحي.
كما اطلع الوزير بالمناسبة على عدد من الفضاءات التكوينية الجديدة التي تم إحداثها بالمدرسة، وهي فضاءات عصرية مجهزة تسمح بتأمين تكوين تطبيقي بجودة عالية، بما يتماشى مع المعايير الدولية في مجال السياحة والضيافة.
التكوين في خدمة التنمية الجهوية
واعتبر الوزير أن دعم مؤسسات التكوين في الجهات الداخلية، وخاصة بعين دراهم، يندرج في صميم السياسة الوطنية للتنمية الجهوية المتوازنة، حيث تمثل هذه المؤسسة رافعة حقيقية لتأهيل الشباب المحلي، وإدماجهم في الدورة الاقتصادية من خلال مشاريع سياحية صغيرة ومتوسطة، أو عبر التشغيل المباشر في المنشآت الفندقية ومؤسسات الترفيه.
تكريس رؤية وطنية متكاملة
إن هذه المبادرة تؤكد أن قطاع التكوين في مهن السياحة لم يعد مجرد مسار تعليمي ثانوي، بل خيار استراتيجي للدولة في إطار تحفيز الاستثمار في الرأسمال البشري، ومرافقة تحوّل النموذج السياحي التونسي نحو الجودة والاستدامة والابتكار.
وتُعد مدرسة التكوين في مهن السياحة بعين دراهم مثالاً حيّاً على إمكانيات الجهات الداخلية في احتضان مشاريع نوعية، تربط بين التكوين، التشغيل، والتنمية السياحية المحلية، في انسجام مع أهداف المخطط التنموي 2026-2030.
تأمين محكم وصورة مشرّفة للمؤسسة الأمنية
وننوه بالمجهودات الرائعة التي بذلتها مختلف الأسلاك الأمنية من حرس وطني ووحدات شرطة، والتي ساهمت بشكل فعّال في إنجاح زيارة وزير السياحة إلى ولاية جندوبة. فقد تميزت الاستعدادات الأمنية بحرفية عالية ويقظة دائمة، مما ضمن تأمين الموكب الوزاري وتوفير الظروف المثلى لعمل الصحفيين واستقبال الضيوف، في جو من النظام والانضباط يُعكس صورة إيجابية عن كفاءة المؤسسة الأمنية.