متابعة: حنان العبيدي
في سياق زيارته الميدانية إلى ولاية جندوبة، تولّى وزير السياحة سفيان تقيّة، بمعية والي الجهة، زيارة مجمّع “البركة” للحرفيات بمنطقة التباينية، أين اطلع عن كثب على نماذج من المنتجات التقليدية التي تُجسّد الثراء الثقافي والتراثي للجهة، وتبرز المهارات اليدوية المتوارثة عبر الأجيال.
الحرفيات في قلب الدورة الاقتصادية: من التكوين إلى التمكين
شكلت هذه الزيارة مناسبة لتسليط الضوء على الدور المتنامي للنساء الحرفيات في النهوض بالاقتصاد المحلي، من خلال تثمين الموارد الطبيعية وتحويلها إلى منتجات قابلة للتسويق، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. وتعمل هذه الحرفيات في اختصاصات متنوعة، من بينها صناعة الزيوت النباتية، منتجات التجميل الطبيعية، الخيزران، النسيج، والمنتوجات الغذائية التقليدية، وهي منتجات ذات قيمة مضافة عالية، تستجيب للطلب المتزايد على المنتوجات الأصيلة والمستدامة.
وأكد الوزير في هذا الإطار أن وزارة السياحة تُراهن على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كرافد حقيقي للتنمية المحلية، مبرزًا أهمية دعم النساء الحرفيات ليس فقط عبر التكوين، بل أيضًا من خلال تيسير النفاذ إلى التمويل، ومرافقة مشاريعهن، وتسهيل مشاركتهن في المعارض والأسواق الدولية.
تمكين اقتصادي يخلق الاستقلالية ويعزز الإدماج الاجتماعي
تلعب هذه المشاريع دورًا يتجاوز البعد الاقتصادي، إذ تساهم في تمكين النساء من موارد رزق مستقلة، وتعزيز دورهن داخل الأسرة والمجتمع، خاصة في المناطق الداخلية التي تعاني من نقص في فرص التشغيل. كما تمثل المشاريع الحرفية فرصة حقيقية لخلق مواطن شغل جديدة، ولإحياء الموروث الثقافي وتوريثه للأجيال القادمة، بما يضمن استدامة الهوية المحلية وربطها بالدورة الاقتصادية الحديثة.
وقد تعهّد الوزير بالعمل على دمج الحرفيات في المنظومة السياحية المتكاملة، من خلال ربطهن بالبنية الفندقية ومؤسسات الترفيه، وإدماج منتوجاتهن ضمن عروض الإيواء والمطاعم والنزل، حتى تتحوّل التجربة السياحية إلى تجربة ثقافية شاملة، تنهل من خصوصيات كل جهة وتمنحها إشعاعًا أكبر.
الخيزران: مشروع نموذجي واعد في طبرقة لتقليص التوريد ودعم الحرفيين
في إطار زيارته الميدانية إلى ولاية جندوبة، أدى وزير السياحة والصناعات التقليدية سفيان تقيّة زيارة خاصة إلى إحدى ورشات صناعة الخيزران، أين اطّلع على سير العمل والصعوبات التي يواجهها الحرفيون في هذا المجال الحيوي، الذي يجمع بين البعد الإبداعي والحرفي والوظيفة الاقتصادية.
الخيزران في طبرقة: من حرفة مهددة إلى مشروع وطني؟
وقد تعهّد الوزير، خلال اللقاء، بالعمل الجاد على تذليل كل العراقيل الإدارية واللوجستية والتوريدية التي تعترض هؤلاء الحرفيين، مؤكدًا أن وزارته ستُنسّق بشكل مباشر مع والي الجهة وبقية الأطراف المتداخلة على المستوى المحلي والوطني، لوضع خطة عملية عاجلة لدعم هذه الحرفة التراثية ذات القيمة المضافة العالية.
من الاستيراد إلى الإنتاج: رؤية استراتيجية جديدة
واحدة من أبرز محاور هذا التوجه تمثّلت في إعلان استعداد عدد من فلاحي المنطقة، وعلى رأسهم الفلاح مختار زغدودي، للانخراط في استراتيجية وطنية وجهوية جديدة لزراعة الخيزران محليًا. وأبدى زغدودي، خلال حديثه مع الوزير، استعداده التام لوضع أراضٍ فلاحية على ذمة المشروع النموذجي، في بادرة تُعد الأولى من نوعها في الشمال الغربي للبلاد.
وقد أعلن الوزير سفيان تقيّة أن الدولة ستعمل، عبر الهياكل المعنية، على توفير المواد الأولية الضرورية، وتخصيص أراضٍ فلاحية لاحتضان تجربة زراعة الخيزران بطبرقة، بهدف الانطلاق الفوري في تنفيذ المشروع في آجال قصيرة.
نحو الاستقلالية في المادة الأولية وتقليص التوريد بالعملة الصعبة
وتندرج هذه المبادرة في إطار رؤية وطنية لتقليص الاعتماد على التوريد، حيث يُعد الخيزران من المواد التي يتم استيرادها بكثافة وبكلفة مرتفعة بالعملة الصعبة، ما يُثقل كاهل ميزان المدفوعات ويضعف القدرة التنافسية للحرفيين المحليين.
وفي هذا السياق، شدّد الوزير على أن المشروع النموذجي، في حال نجاحه، سيمثل نقلة نوعية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المادة الأولية، وسيُسهم في تمكين الحرفيين من مدخلات إنتاج محلية، مع دعم الفلاحين بفرص جديدة في سلاسل القيمة السياحية والحرفية.
مشروع بيئي وتنموي بامتياز
إلى جانب أبعاده الاقتصادية، يُعد الخيزران من النباتات صديقة البيئة، ذات دور مهم في مكافحة التآكل والانجراف، وتحسين الغطاء النباتي في المناطق الغابية وشبه الجافة، وهو ما يمنح المشروع بعدًا بيئيًا إضافيًا، يتماشى مع مقاربة التنمية المستدامة التي تنتهجها الدولة في المناطق الداخلية.
كما سيساهم هذا التوجه في تعزيز السياحة الإيكولوجية والحرفية، من خلال الترويج لمنتجات محلية خالصة تعتمد على سلسلة إنتاج مكتملة من الأرض إلى المستهلك.