كشف المجلس الاستشاري للاتحاد الأفريقي لمكافحة الفساد عن أرقام صادمة تؤكد أن الفساد يُكبّد القارة الأفريقية خسائر سنوية تُقدّر بنحو 120 مليار دولار، مما يعمّق أزماتها الاقتصادية ويُقوّض جهودها الرامية إلى الاستقلال المالي والتنمية المستدامة.
دائرة مفرغة: فساد واقتراض وتبعية
خلال الدورة الـ49 للمجلس المنعقدة في مدينة أروشا التنزانية، أوضحت يوفين مويتبكا، نائبة رئيس المجلس، أن الاعتماد المفرط على القروض الدولية، في ظل انتشار الفساد، يخلق حلقة مفرغة تُقيّد سيادة القرار الاقتصادي للدول الأفريقية.
وقالت مويتبكا:
“نقترض لتمويل التنمية، لكن الفساد يبدّد هذه الموارد… والنتيجة: مزيد من الاقتراض، وتبعية دائمة”.
ربع الناتج المحلي يتبخّر
أكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن الفساد في إفريقيا يهدر ما يصل إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة سنويًا، ما يوازي ربع إنتاجها الاقتصادي.
هذا النزيف المالي، وفق التقرير، يمنع تحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، ويُضعف المؤسسات، ويُقوّي النخب المرتبطة بشبكات فساد محلية ودولية.
الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الفساد.. طموحات محدودة التنفيذ
رغم توقيع 50 دولة من أصل 54 على اتفاقية الاتحاد الأفريقي لمكافحة الفساد، وصادقة 49 دولة، إلا أن فقط 12 دولة أتمّت المراجعات الوطنية المنصوص عليها في الاتفاقية.
هذا الواقع دفع المجلس إلى الدعوة لتسريع المراجعات وتكثيف التفاعل مع الدول المتخلّفة عن التنفيذ، معتبرًا أن بناء مؤسسات رقابية نزيهة وقوية هو شرط جوهري لإنهاء منظومة الفساد.
ديون تتزايد.. وخدمات تتراجع
وفق تقرير البنك الأفريقي للتنمية (2024)، ارتفعت الديون الخارجية لإفريقيا من 1.12 تريليون دولار في 2022 إلى 1.152 تريليون دولار بنهاية 2023.
كما كشف تقرير لمنظمة “وان” (ONE) أن القارة أنفقت أكثر من 102 مليار دولار في 2024 فقط على سداد فوائد الديون وخدماتها، ما يُعدّ تهديدًا مباشرًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا في القطاعات الحيوية.
تحذير وإنذار: المعركة ضد الفساد حاسمة
بات واضحًا أن إفريقيا بحاجة إلى حلول جذرية لا ترقيعية. الفساد لا يُهدد فقط الاقتصاد، بل يُقوّض الثقة في الدولة، ويُضعف العدالة، ويُعمّق الفجوة بين الشعوب وحكوماتها.
الاتحاد الأفريقي مطالب اليوم بتنفيذ اتفاقياته، ودعم الشفافية، ومحاسبة المتورطين، وتعزيز ثقافة النزاهة.
كما على الشركاء الدوليين أن يُراجعوا أدوارهم، خصوصًا في المناطق التي يُعاد فيها تدوير الأموال المنهوبة عبر مؤسساتهم المالية.