أسفرت حملة الأمم المتحدة الأخيرة لحشد التمويل لحماية محيطات العالم عن نتائج دون التوقعات، إذ تم الإعلان عن صفقات بقيمة تقارب 10 مليارات دولار خلال مؤتمر المناخ الثالث للأمم المتحدة، الذي عُقد الأسبوع الماضي في مدينة نيس الفرنسية.
ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن المبلغ يظل أقل بكثير من المطلوب لتحقيق تحول فعلي في حماية النظم البيئية البحرية، ما يعكس تردد المستثمرين في ظل غياب إطار تنظيمي واضح لإدارة المحيطات.
عوائق الحوكمة تهدد مستقبل التمويل
فيما ناقش القادة السياسيون خلال المؤتمر قضايا الصيد الجائر والتلوث البحري، إلا أن التقدم على مستوى وضع قواعد تنظيمية ملزمة لا يزال محدودًا. فقد صدّقت فقط 50 دولة حتى الآن على معاهدة أعالي البحار، التي تم التوصل إليها عام 2023 بموافقة أكثر من 130 دولة، والتي تهدف إلى تنظيم استخدام المياه الدولية.
ومن بين الدول التي لم تصادق على المعاهدة حتى الآن الولايات المتحدة، التي سبق وأن انسحبت من عدة مبادرات بيئية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
غياب السلطة السيادية يضعف الثقة
أشار أوليفر ويذرز، رئيس قسم الطبيعة في بنك ستاندرد تشارترد، إلى أن غياب سلطة سيادية واحدة مسؤولة عن أعالي البحار يخلق فراغًا تشريعيًا يعوق التمويل الخاص، مضيفًا أن “المحيطات تختلف جذريًا عن اليابسة، حيث لا تخضع لسيادة دولة محددة، ما يُعقد آليات الاستثمار والمساءلة”.
تمويل عام يتقدم… والخاص يتردد
من بين الصفقات التي أُبرمت في نيس:
-
2.5 مليار دولار من بنك التنمية لأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (CAF)
-
3 مليارات يورو (3.5 مليار دولار) من مجموعة من بنوك التنمية لمكافحة التلوث البلاستيكي
لكن بالرغم من هذه الالتزامات، لا تزال الأرقام بعيدة عن التقديرات العالمية. فبين عامي 2015 و2019، لم يُستثمر سوى 10 مليارات دولار، بينما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى حاجة تمويل سنوي يبلغ 175 مليار دولار لحماية المحيطات.
التمويل الخاص: غائب رغم الحاجة الملحة
قالت فرانسين بيكاب، نائبة مدير مكتب دعم السياسات في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن “التمويل العام لا يكفي، لكن التمويل الخاص أقل بكثير. نحن لا نزال في المراحل الأولى”.
وكشفت بيانات شركة سايتلاين كلايمت أن تكنولوجيا المحيطات استحوذت فقط على 0.4% من إجمالي 202 مليار دولار استثمارات تم ضخها في مختلف القطاعات خلال الفترة بين عامي 2020 و2025، رغم ملاحظة انتعاش نسبي في عام 2025.
المستثمرون: نحتاج معاهدات قوية وآليات تنفيذ
قال روبرت ألكسندر بوغاد، رئيس قسم التنوع البيولوجي في إدارة الأصول ببنك بي إن بي باريبا، إن المستثمرين يتطلعون إلى تدخل الحكومات لمعالجة المخاطر النظامية في المحيطات، موضحًا أن التصديق على المعاهدات لن يكون كافيًا ما لم تُرفق بآليات تنفيذ فعالة.
الحاجة إلى إصلاح جذري في تمويل المحيطات
تشير التقديرات إلى أن جمع الأموال المخصصة للمحيطات شكل أقل من 1% من إجمالي التمويلات خلال السنوات الخمس الماضية. ولردم هذه الفجوة، يتطلب الأمر تعاونًا وثيقًا بين صناع السياسات والمستثمرين، إلى جانب تعزيز الإطار القانوني والحوكمة البيئية، لضمان حماية فعالة للتنوع البيولوجي البحري وصحة المحيطات.