في مقابلة حصرية مع “الجزيرة نت”، كشفت الباحثة البريطانية المتخصصة في شؤون أفريقيا بيبا لوتون عن ما وصفته بـ”تشابه بنيوي مذهل” بين المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط والعقيدة السياسية التي يقودها نظام الرئيس الرواندي بول كاغامي، مشيرة إلى أن كلا النموذجين يعتمدان على “سردية المعاناة التاريخية” كأداة لتبرير السياسات القمعية والهيمنة الداخلية والخارجية.
سردية الضحية كسلاح سياسي
تقول لوتون إن إسرائيل ورواندا تتشاركان في تقديم نفسيهما كضحايا دائمين، مشيرة إلى أن “سردية الناجين” التي نشأت من المحرقة اليهودية في الحالة الإسرائيلية، ومن الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994، قد تحولت إلى رواية تأسيسية تُستخدم لتبرير السيطرة وإسكات المعارضين.
وتضيف: “هذه السرديات كانت فعالة في حشد الدعم الدولي لسنوات، لكن تأثيرها بدأ يتراجع”، مشيرة إلى أن “الأنظمة التي تستند إلى خطاب الضحية دون مساءلة تتحول في النهاية إلى مصدر للظلم”.
رواندا.. ديمقراطية شكلية وقمع سياسي
انتقدت لوتون ما وصفته بـ”القمع الممنهج” في رواندا، لافتة إلى أن مجرد طرح أسئلة عن أحداث 1994 قد يُعرّض الشخص للسجن، كما حدث مع السياسية فيكتوار إنجابير التي قضت 15 عامًا خلف القضبان.
وتابعت: “هناك قوانين في رواندا تمنع إعادة قراءة الماضي، وهو أمر يتعارض مع أي تصور ديمقراطي حقيقي”.
كما سلطت الضوء على العلاقة الوثيقة بين النظام الرواندي وبعض القادة الغربيين، مثل توني بلير وبيل كلينتون، واصفة تلك الروابط بأنها “محفزات للصمت الدولي عن تجاوزات كيغالي”.
دور غربي خفي في صراعات أفريقيا
أشارت الباحثة إلى أن الدعم الغربي غير المباشر لرواندا يفسر صمت الاتحاد الأفريقي وتكتل شرق أفريقيا إزاء دعم كيغالي لجماعات مسلحة في الكونغو الديمقراطية، مثل حركة M23، المتهمة بارتكاب فظائع ضد المدنيين، قائلة: “هناك مصالح اقتصادية ضخمة، وشركات مثل غلينكور إكستراتا مستفيدة من استمرار الفوضى في الكونغو”.
وانتقدت مخرجات قمة دول شرق أفريقيا التي دعت كينشاسا للتفاوض مع M23، ووصفتها بـ”الصدمة السياسية”، متسائلة: “كيف يمكن القبول بالتفاوض مع جماعة مسؤولة عن مقتل أكثر من 10 ملايين شخص واغتصاب مئات الآلاف؟”.
كما عبّرت عن استغرابها من تغير موقف كينيا تجاه الصراع بعد زيارة الرئيس ويليام روتو إلى واشنطن ولقائه الرئيس بايدن، ملمّحة إلى تأثير سياسي خارجي أعاد توجيه الموقف الكيني.
فلسطين: حل الدولة الواحدة أصبح ضرورة
في الشأن الفلسطيني، أعلنت لوتون دعمها لحل الدولة الواحدة، معتبرة أن “حل الدولتين بات من الماضي”، مؤكدة أن “الاعتراف بحقوق الفلسطينيين والإسرائيليين ضمن دولة ديمقراطية واحدة هو السبيل الوحيد لتحقيق عدالة حقيقية ودائمة”.
دعوة لتفكيك الأساطير السياسية
اختتمت الباحثة البريطانية حديثها بدعوة قوية إلى “تفكيك الأساطير المؤسسة للهيمنة السياسية”، سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا، مؤكدة أن سرديات المعاناة تُستخدم اليوم كأدوات دعائية لتبرير القمع، وتهميش الشعوب، وتسهيل التدخلات الدولية.
وقالت: “لفهم الحروب والصراعات الحديثة، لا بد من قراءة الروايات التي تُسوّق للشرعية السياسية من زاوية المصالح الدولية، وليس فقط من منظور المعاناة الماضية”.