أطلقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن تدهور الوضع الغذائي في جنوب السودان ومالي، محذّرة من أن ملايين الأشخاص في البلدين باتوا على شفا مجاعة، وسط اشتداد النزاعات المسلحة والتغير المناخي وتقلّص الدعم الدولي.
في تقرير مشترك صدر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بعنوان “بؤر الجوع الساخنة”, صنفت المؤسستان الأمميتان جنوب السودان ومالي ضمن أعلى مناطق القلق في العالم، مشيرتين إلى أن بعض المناطق فيهما وصلت بالفعل إلى مستويات “كارثية” من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
مأساة على ضفّتي القارة
رغم أن الدولتين تقعان على طرفي القارة الأفريقية – مالي في الغرب وجنوب السودان في الشرق – إلا أن المشهد الإنساني فيهما بات متشابها إلى حدّ مخيف: صراعات مسلحة، غياب الاستقرار، أزمات اقتصادية، وتغير مناخي قاسٍ.
ويقدر التقرير أن نحو 7.7 ملايين شخص في جنوب السودان سيعانون من الجوع الحاد هذا العام، من بينهم 63 ألفا في حالة مجاعة مؤكدة. أما في مالي، فقد دفعت الحرب الداخلية والانفلات الأمني إلى تضخم أسعار الحبوب ونقص المحاصيل، مما جعل حوالي 2600 شخص يواجهون خطر الموت جوعًا.
معايير الأمم المتحدة للمجاعة
المجاعة، بحسب تعريف الأمم المتحدة، لا تعلن رسميًا إلا إذا:
عانى 20% من السكان من نقص حاد في الغذاء.
بلغ معدل سوء التغذية الحاد لدى الأطفال 30%.
توفي شخصان من كل 10 آلاف يوميًا بسبب الجوع أو أمراض مرتبطة به.
وتشير معطيات التقرير إلى أن بعض المناطق في البلدين تقترب من هذه المعايير أو تجاوزتها بالفعل.
التمويل.. العقبة الأكبر
ورغم وضوح التحذيرات، فإن الاستجابة الدولية ما زالت دون المستوى المطلوب. وقالت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، إن التقرير يمثل “إنذارًا أحمر”، داعية إلى تحرك فوري، وأضافت:
“لدينا الخبرة والأدوات لإنقاذ الأرواح، لكن دون تمويل أو وصول ميداني، نبقى عاجزين.”
ويُجبر نقص التمويل الهيئات الإغاثية على تقليص المساعدات والحصص الغذائية، في وقت تتزايد فيه الحاجة الإنسانية بشكل غير مسبوق.
فجوة خطيرة في الدعم العالمي
وقد وضعت الأمم المتحدة خطة استجابة إنسانية لعام 2025 تستهدف مساعدة 180 مليون شخص في 70 دولة، بتكلفة إجمالية قدرها 44 مليار دولار، لكنها لم تتلقَّ حتى الآن سوى 5.6 مليارات فقط، أي ما يعادل 13% فقط من التمويل المطلوب.
وقال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن هذه الفجوة تمثل معضلة كبرى، مضيفًا أن:
“ما تطلبه هيئات الإغاثة لا يتجاوز 1% فقط من الأموال التي أُنفقت على الحروب العام الماضي.”
دعوة إلى التضامن
أمام هذه الأرقام الصادمة، شدّد فليتشر على أن نداء الأمم المتحدة لا يقتصر على مجرد طلب أموال، بل هو “دعوة أخلاقية وإنسانية إلى تحمل المسؤولية العالمية وإنهاء معاناة الأبرياء في ظل عالم تتزايد فيه الأزمات”.
وفي ظل تصاعد الأزمات من غزة إلى أوكرانيا، ومن السودان إلى مالي، يبدو أن ملف الجوع، وإن لم يتصدر العناوين، يواصل التهام حياة الآلاف بصمت، وسط تجاهل لا يمكن وصفه إلا بأنه “جريمة ضد الإنسانية”.