رغم القرب الجغرافي والروابط الثقافية والتاريخية، لا تزال المبادلات التجارية بين تونس والجزائر دون المستوى المأمول. دراسة حديثة صادرة عن المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية تكشف عن واقع التبادل الثنائي وتسلّط الضوء على الإمكانيات الكبيرة غير المستغلة في السوق الجزائرية.
عجز تجاري هيكلي مزمن
على مدى الفترة الممتدة من 2011 إلى 2021، ظل الميزان التجاري التونسي مع الجزائر في حالة عجز مستمر، ويرجع ذلك أساسًا إلى واردات الغاز الطبيعي، التي تمثل أكثر من 90٪ من إجمالي الواردات التونسية من الجزائر. أما الصادرات التونسية نحو هذا السوق، فهي لا تتجاوز 3٪ من إجمالي صادرات البلاد.
حضور تونسي باهت مقارنةً باللاعبين الكبار
تحتل تونس المرتبة 25 فقط ضمن مورّدي الجزائر، خلف كل من الصين، فرنسا، تركيا، إسبانيا ودول أخرى. وقد تراجعت حصتها السوقية من 1.4٪ في سنة 2016 إلى 0.7٪ في 2021.
ورغم هذا الضعف، حققت تونس مراتب مشرفة في بعض القطاعات: فهي المورد الثاني للجزائر في الكيمياء المعدنية الأساسية، والرابع في الزجاج، والثامن في أجهزة القياس.
منتجات ذات إمكانات تصديرية عالية لكنها غير مستغلة
تشير تقديرات مركز التجارة الدولية إلى أن 63٪ من الإمكانات التصديرية لتونس نحو الجزائر ما تزال غير مستغلة. من أبرز القطاعات التي تُظهر فرص نمو كبيرة:
الملابس والنسيج: تمثل أكثر من 20٪ من الإمكانات التصديرية غير المستغلة، رغم التراجع الكبير في الحصة السوقية التونسية.
الآلات والمعدات الكهربائية والإلكترونية: وهي القطاع الأكثر وعدًا، لكن الحضور التونسي فيه لا يزال ضعيفًا.
المنتجات الكيميائية والبلاستيكية: تتمتع تونس بأفضلية تنافسية، لكنها لم تحقّق بعد اختراقًا فعليًا.
تكامل اقتصادي غير مستغل بالكامل
يبلغ مؤشر التكامل بين الصادرات التونسية والواردات الجزائرية نحو 42٪، وهو مستوى متوسط مقارنةً بما تحققه تونس مع شركائها الأوروبيين (فرنسا 57٪، ألمانيا 60٪). ما يدل على وجود فرص غير مستثمرة بسبب عراقيل غير جمركية، وضعف التنسيق المؤسساتي، وقصور في الخدمات اللوجستية.
توصيات لتفعيل الحضور التونسي في السوق الجزائرية
توصي الدراسة بـ:
استهداف المنتجات المطلوبة بشدة في الجزائر والتي تملك فيها تونس أفضلية تنافسية.
تحسين البنية التحتية والخدمات اللوجستية بين البلدين لتسهيل انسياب السلع.
تفعيل الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية، خاصة في إطار الاتحاد المغاربي وزليكاف.
مرافقة المصدرين التونسيين عبر حوافز ضريبية وتمويل خاص بالتصدير وتأطير تقني وتسويقي.
الفرصة ما تزال قائمة
في وقت تسعى فيه تونس لتنويع أسواقها وتخفيف عجزها التجاري، تبرز الجزائر كسوق طبيعية واستراتيجية. لكن تحقيق ذلك يستوجب خطة تحرك شاملة ومتكاملة من مختلف الفاعلين الاقتصاديين. فالجزائر مستعدة لاستهلاك المنتجات التونسية، ويبقى على تونس أن تفرض نفسها كمزود رئيسي.