في تطوّر عسكري خطير، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا مباغتًا على مواقع نووية داخل إيران مثيرًا بذلك موجة من التوترات الدولية والجدل الإقليمي. وبين ركام المنشآت المستهدفة وصمت العواصم الكبرى تبرز الولايات المتحدة كطرف “غائب حاضر” تُطرح حوله علامات استفهام كثيرة.
فعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية الأميركي الذي سارع إلى التأكيد بأن “الولايات المتحدة لم تشارك في الهجوم الإسرائيلي ولم تكن جزءًا من أي عملية عسكرية تستهدف إيران”، فإن الواقع على الأرض يكشف ملامح أخرى لا تقل خطورة.
فقد سبقت الضربة الإسرائيلية بيومين تحركات أميركية لافتة تمثلت في إجلاء موظفي السفارات الأميركية في بعض دول الجوار وإفراغ مواقع عسكرية متقدمة ما يشير إلى معرفة مسبقة وربما تخطيط مشترك أو تسهيل غير مباشر.
تضارب المواقف بين الظاهر الدبلوماسي والباطن الاستراتيجي يفتح الباب أمام قراءات متعددة:
فهل اختارت واشنطن “غضّ الطرف” مقابل تمرير ضربة قد تُربك المشروع النووي الإيراني دون أن تتلطّخ يداها مباشرة؟ أم أن ما جرى كان فعلاً مفاجئًا للولايات المتحدة، ما يضع تساؤلات جدية حول فقدان السيطرة على الحليف الإسرائيلي؟
هذا الموقف المزدوج بين تصريح علني بالنأي عن العملية وسلوك ميداني يوحي بالتحضير لها يُعيد إلى الواجهة منطق السياسة الأميركية القديمة، ” إدارة الأزمات من وراء الستار” عبر التوازن بين التصريحات “التطمينية” والواقع “العملياتي.”
وبينما تُواصل واشنطن الصمت الرسمي يُدرك المتابعون أن الصراع في الشرق الأوسط لم يعد مسألة قرارات فردية بل لعبة مصالح معقدة، تتحرك فيها الجبهات السياسية والعسكرية بتنسيق غير مرئي ولكن محسوب بدقة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل نشهد بداية مرحلة جديدة من إدارة التوتر بين طهران وتل أبيب، بعين أميركية مراقبة، ولكن دون بصمات؟ أم أن الإنكار الدبلوماسي لا يكفي لحجب المشاركة الفعلية؟
حنان العبيدي