تسبّب هجوم نفذه مواطن مصري في مدينة بولدر بولاية كولورادو، وأسفر عن إصابة ثمانية أشخاص، في تصعيد التوترات السياسية في الولايات المتحدة، وأثار جدلًا واسعًا حول ملف الهجرة وتسييس الأمن الداخلي. ومع بدء الإجراءات لترحيل أسرته، يطرح الحادث تساؤلات بشأن حدود العدالة، ومسؤولية السلطة، والعلاقة المتشابكة بين الجريمة الفردية والسياسات العامة.
الهجوم وتفاصيله
مساء الأحد، ألقى محمد صبري سليمان، وهو رجل مصري يبلغ من العمر 45 عامًا، قنابل حارقة على حشد من المشاركين في مسيرة مؤيدة لإسرائيل، نُظّمت لإحياء ذكرى الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. الهجوم أسفر عن إصابة 8 أشخاص، وأحدث صدمة في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ سرعان ما تحول إلى حدث وطني ذا أبعاد أمنية وسياسية.
في إفادته للسلطات، قال سليمان إنه أراد “قتل جميع الصهاينة”، مؤكدًا أنه أجّل تنفيذ الهجوم إلى ما بعد تخرج ابنته من المدرسة الثانوية. وقد وجّهت له السلطات تهمًا تشمل الشروع في القتل، والاعتداء، وارتكاب جريمة كراهية.
عائلة المتهم في مهبّ الترحيل
الأصداء القانونية لم تتوقف عند حدود الجريمة؛ إذ احتجزت وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) زوجة سليمان وأبناءه، وهم خمسة أطفال بينهم مراهقان. وقالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم إن الوكالة تعمل على ترحيلهم “في أسرع وقت ممكن”، مشيرة إلى إلغاء تأشيراتهم، وفتح تحقيق حول ما إذا كانت العائلة على علم بالهجوم أو ساعدت فيه بأي شكل.
وفي الوقت نفسه، أكد مسؤولون أن العائلة تتعاون مع المحققين، وأن سليمان صرّح بأنه تصرف بمفرده. ورغم ذلك، تقول وزارة الأمن الداخلي إن التحقيق لا يزال مفتوحًا بشأن أي “تواطؤ محتمل”.
ملف الهجرة: من اللجوء إلى الخطر الأمني
دخل سليمان الولايات المتحدة في أغسطس/آب 2022 بتأشيرة سياحية، وتقدّم بطلب لجوء في سبتمبر من العام نفسه. ومع انتهاء صلاحية تأشيرته في فبراير/شباط 2023، واصل الإقامة داخل البلاد، وهو ما دفع خصوم سياسة الهجرة الليبرالية إلى توجيه انتقادات لاذعة.
قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب -الذي يسعى للفوز بولاية جديدة- إن الهجوم هو نتيجة “سياسة الحدود المفتوحة” لإدارة سلفه الديمقراطي جو بايدن. وفي منشور عبر شبكته “تروث سوشيال”، وصف الحادث بأنه “مأساة مروعة لن يتم التسامح معها”.
أبعاد سياسية وأخلاقية متشابكة
تواجه السلطات الأميركية معضلة أخلاقية وقانونية في التعامل مع عائلات المتهمين في قضايا إرهاب أو كراهية. ففي حين أن القانون يتيح احتجازهم إذا خالفوا قوانين الهجرة، يرى ناشطون أن ترحيل أطفال ونساء غير مدانين يتنافى مع مبدأ العدالة، خاصة إذا كانوا يتعاونون مع السلطات ولم تُثبت إدانتهم.
كما يرى محللون أن الحادث ضُخّم سياسيًا ليخدم أجندات انتخابية، خصوصًا في ظل الاستقطاب المتزايد داخل المجتمع الأميركي حول الحرب في غزة، وقضايا الهجرة، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
أزمة ثقة داخل الجهاز الإداري
حادثة بولدر تفتح كذلك ملف العلاقة بين الحكومة والبيروقراطية، حيث أظهرت حالة من الارتباك في معالجة ملفات اللجوء، ومراقبة المقيمين بصفة مؤقتة. وبحسب تقارير إعلامية، فإن سليمان لم يكن تحت المراقبة، رغم تأخّره في تجديد وضعه القانوني.
وفي السياق، أشار مسؤولون إلى وجود ثغرات في منظومة الهجرة الأميركية، خاصة في ظل تزايد طلبات اللجوء، وصعوبة التحقق من الخلفيات، وغياب التنسيق بين الوكالات المختلفة.
أبعاد دولية وإنسانية
تُعدّ الأسرة المصرية المحتجزة اليوم واحدة من آلاف العائلات التي تعيش وضعًا قانونيًا هشًا في الولايات المتحدة. وفيما تعمل السلطات على ترحيلها، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن تحميل العائلة تبعات عمل فردي لم يُثبت علمهم به؟ وهل تتحول ملفات الهجرة إلى أداة ردع لا تفرّق بين المذنب والبريء؟
خلاصة: بين الجريمة والعدالة السياسية
حادثة كولورادو تطرح إشكالية جوهرية في نظام العدالة الأميركي: هل يمكن فصل الجريمة الفردية عن الهويّة والانتماء السياسي؟ أم أن الظروف المشحونة داخليًا، والضغوط الانتخابية، ستظل تُحوّل الأحداث إلى أدوات للصراع السياسي، حتى لو كان الثمن حقوق عائلات بريئة؟
في هذا المشهد المعقّد، تبدو عائلة سليمان عالقة بين نار القانون، وسيف السياسة، وسط بيئة لا تعترف بالرماد الرمادي بين الأبيض والأسود.