شهدت مدينة تمبكتو التاريخية في شمال مالي تصعيدًا عسكريًا واسعًا بين القوات الحكومية ومسلحين تابعين لجماعات متطرفة، أبرزها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في أحدث فصول التوتر الأمني الذي يضرب البلاد منذ سنوات.
وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة المالية في بيان رسمي، مساء أمس الاثنين، عن تحييد 14 مسلحًا واعتقال 31 عنصرًا يشتبه في انتمائهم إلى الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة.
إحباط هجوم منسّق
وأوضح البيان أن القوات المالية أحبطت محاولة تسلّل مسلّحين باتجاه معسكر “الشيخ سيدي بكاي” ومطار مدينة تمبكتو، حيث كان المسلّحون يخططون لشنّ هجوم واسع على منشآت أمنية وعسكرية حيوية. وأسفرت العملية عن استرجاع ترسانة كبيرة من الأسلحة، وعدد من المركبات، ومعدات عسكرية وصفتها وزارة الدفاع بأنها “خطيرة ومتطورة”.
وقد أشادت هيئة الأركان العامة بشجاعة الجنود المتمركزين في معسكر “الشيخ سيدي بكاي”، معتبرة أنهم أظهروا “صلابة وشرفًا عسكريًا يستحقّ التقدير في مواجهة هجوم إرهابي معقّد”.
رد المسلّحين… وادّعاءات مضادة
في المقابل، أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إحدى أخطر التنظيمات المسلحة في الساحل الإفريقي، مسؤوليتها عن الهجوم، مؤكدة أنها استهدفت مطار تمبكتو وثلاث نقاط تفتيش عسكرية، وقتلت عددًا من الجنود الماليين. وقد نشرت الجماعة صورًا قالت إنها تعود لضحايا الجيش في المعركة الأخيرة، لكنها لم تفصح عن عدد القتلى أو تفاصيل العملية.
حظر تجول وتعزيز أمني
ردًا على الاشتباكات، فرض الجيش المالي حظر تجوّل ليلي داخل مدينة تمبكتو، يبدأ من الساعة التاسعة مساءً وحتى السادسة صباحًا، في محاولة للسيطرة على الوضع الأمني المتوتر ومنع مزيد من التحركات المسلحة في المدينة.
وجاءت هذه الإجراءات بالتنسيق مع قوات “فاغنر” الروسية التي تقدم دعمًا عسكريًا واستشاريًا للحكومة المالية، في إطار الشراكة الأمنية المتزايدة بين الطرفين منذ انسحاب قوات الأمم المتحدة من مناطق واسعة في الشمال.
خسائر سابقة تزيد التوتر
تأتي هذه التطورات بعد هجوم مميت استهدف قاعدة عسكرية وسط البلاد قبل يومين فقط، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 عنصرًا من القوات الحكومية. ويرى مراقبون أن تكرار هذه الهجمات يعكس عجز الجيش المالي -رغم الدعم الخارجي- عن السيطرة الكاملة على المناطق الشمالية والوسطى، التي تشكّل معقلًا لتنظيمات إرهابية عديدة مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
أزمة أمنية مستمرة
تعاني مالي من أزمة أمنية مزمنة منذ انقلاب 2012، تفاقمت بعد انسحاب القوات الدولية، ما سمح للجماعات الجهادية بإعادة تنظيم صفوفها وتكثيف هجماتها ضد القوات الحكومية والمدنيين على حد سواء. وقد تعهّدت الحكومة الانتقالية مرارًا بتطهير البلاد من الجماعات المسلحة، لكنها تواجه تحديات ضخمة تتعلق بالإمداد، والتمويل، والانقسامات الداخلية.
في مدينة تمبكتو، حيث يختلط التاريخ العريق بالتحديات المعاصرة، يُخشى أن تتحول المواجهات الأخيرة إلى نقطة انطلاق لموجة عنف جديدة، خاصة في ظل غياب تسوية سياسية شاملة للنزاع. وبينما يشيد الجيش ببطولات جنوده، ويزهو بتحقيقات ميدانية ناجحة، تبقى المناطق الشمالية ساحة مفتوحة لسباق محموم بين الدولة والجماعات المسلحة، في صراع لم تُرسم نهايته بعد.