رغم تصاعد التحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة في القارة السمراء خلال عام 2025، إلا أن الدول الأفريقية لا تزال تتصدّر قائمة الأزمات الإنسانية الأكثر إهمالًا في العالم، وفق تقرير حديث أصدره المجلس النرويجي للاجئين، سلّط فيه الضوء على حجم المعاناة في ظل تجاهل دولي متزايد وانخفاض ملحوظ في حجم المساعدات الخارجية.
قارة منكوبة لا تراها الكاميرات
يكشف التقرير الصادر بعنوان “الأزمات المنسية في العالم – 2024″، عن واقع مرير يعيشه ملايين الأفارقة الذين يُعانون من النزوح، وانعدام الأمن الغذائي، والعنف المسلّح، دون أن يحظوا بالتغطية الإعلامية الكافية، أو الدعم الدولي الضروري لتخفيف معاناتهم.
ويرى التقرير أن معظم الأزمات التي تعصف بالقارة تمر بصمت، بعيدًا عن اهتمام الإعلام الدولي ومراكز صنع القرار، ما يُكرّس حالة الإهمال ويُعمّق الفجوة الإنسانية. وقد أشار التقرير إلى أن التمويل الإنساني لم يغِطّ سوى نصف الاحتياجات خلال عام 2024، بفجوة تُقدّر بنحو 25 مليار دولار.
دول تعيش في الظل
جاءت الكاميرون في صدارة الدول العشر الأكثر تهميشًا، تلتها إثيوبيا، وموزمبيق، وبوركينا فاسو، ومالي، إلى جانب دول أخرى مثل الكونغو الديمقراطية، أوغندا، الصومال، إيران، وهندوراس. ويجمع بينها القاسم المشترك: أزمات إنسانية مركّبة، ونقص التمويل، وضعف التغطية الإعلامية، وغياب الحلول السياسية.
في الكاميرون مثلًا، تتواصل الحرب الأهلية منذ 2017 في المناطق الناطقة بالإنجليزية، بالتزامن مع عنف متصاعد في الشمال من قبل جماعة بوكو حرام. ورغم احتضان البلاد لأكثر من 1.5 مليون نازح ولاجئ، لم تحصل على سوى 45% فقط من التمويل المطلوب، وتغيب أزمتها عن أجندات الإعلام العالمي.
أما إثيوبيا، فتعيش على وقع تداعيات حرب تيغراي، مع تصاعد التوترات العرقية بين الأمهرة والأورومو، ونزوح ما يقارب 10 ملايين شخص داخليًا. في المقابل، تتجاهل الجهات المانحة الوضع الإنساني المتدهور، وسط صراعات سياسية معقّدة.
وفي موزمبيق، أدى تجدد هجمات مسلّحة شمال البلاد، وأعمال عنف بعد الانتخابات المتنازع عليها، إلى نزوح الآلاف، تزامنًا مع كارثة طبيعية إثر إعصار “تشيدو” الذي دمّر أكثر من 155 ألف مبنى.
سياسات الانكفاء و”إرهاق المانحين”
أرجع التقرير أسباب تهميش الأزمات الأفريقية إلى عدة عوامل، أبرزها ما يُعرف بـ”إرهاق المانحين”، الناتج عن تعدد بؤر الصراع عالميًا، وازدياد التوجهات القومية داخل الدول المانحة التقليدية، مما جعل أولوياتها تركّز على الأزمات الأقرب جغرافيًا أو ذات المصلحة الإستراتيجية المباشرة.
وتقول كريستيل هور، رئيسة قسم المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين لغرب ووسط أفريقيا، إن “الأزمات التي لا تطرق أبواب أوروبا أو الولايات المتحدة، غالبًا ما تبقى في الظل”، مشيرة إلى أن غياب الاهتمام الإعلامي يُسهم بشكل مباشر في ضعف الاستجابة الدولية.
تقليص المساعدات: ضربة إضافية
تعمّق الأزمات الإنسانية في أفريقيا يأتي بالتزامن مع قرارات تقليص واسعة للمساعدات الدولية. فقد خفضت الولايات المتحدة، التي تُعد أكبر مانح عالمي، تمويلها التنموي بشكل ملحوظ، وسط مخاوف من أن تؤدي سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تقليصات أعمق في عام 2025.
وتشير البيانات إلى أن دولًا أخرى مثل بريطانيا، هولندا، فرنسا، وألمانيا، أعلنت جميعها عن خفض تدريجي لموازنات المساعدات الإنسانية بدءًا من عام 2027، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة على مستوى القارة.
دور الاتحاد الأفريقي: أين القيادة؟
في ظل هذا الفراغ الدولي، تتّجه الأنظار إلى الاتحاد الأفريقي، الذي طالما وُجّهت إليه انتقادات بسبب بطئه في التعامل مع الأزمات الداخلية. وتدعو منظمات الإغاثة، مثل المجلس النرويجي للاجئين، إلى تفعيل دور مجلس السلم والأمن، وتحقيق التزام سياسي قوي لحل النزاعات، وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية عبر تقليل العراقيل الإدارية.
وتشدّد هذه الجهات على أن التحدي لم يعد فقط تمويليًا، بل سياسيًا بالدرجة الأولى، وأن القارة تحتاج إلى إرادة جماعية وقيادة فاعلة قبل أن تتجاوز الأزمات نقطة اللاعودة.
خاتمة: هل من صحوة ضمير دولية؟
بينما تتزايد المؤشرات على تدهور الأوضاع الإنسانية في أفريقيا، يظل السؤال الأكبر: هل سيتحرّك العالم قبل فوات الأوان؟
الأرقام صادمة، والمعاناة متفاقمة، لكن الصمت الدولي مستمر، وكأن القارة السمراء محكوم عليها بأن تبقى دائمًا على هامش الاهتمام العالمي، رغم أنها في قلب المأساة.