بالتزامن مع مباراتي نهائي كأس تونس والمباراة التي جمعت المنتخب الوطني بنظيره البوركيني، برزت إلى السطح مرة أخرى إشكاليات عميقة في مستوى التعليق الرياضي دفعت بالكثير من المتابعين إلى التساؤل: هل ما يُقدّم على شاشاتنا يرتقي فعلاً إلى مستوى مهنة التعليق الرياضي؟
أول ما يُلفت الانتباه هو التحيّز الصارخ لبعض المعلّقين حيث يُصرّ البعض على الإشادة بلاعبين معينين بشكل مبالغ فيه، مقابل تجاهل أو تهميش أداء لاعبين آخرين برزوا بشكل واضح فوق أرضية الملعب. هذا التوجّه لا يخلو من الانتقائية ويطرح علامات استفهام حول الموضوعية والمهنية في نقل مجريات اللقاء.
كما يُلاحظ غياب شبه تام للمعلومة التقنية وهي ركيزة أساسية في أي تعليق احترافي. في بعض الأحيان، يتحوّل المعلّق إلى شخص يُسائل نفسه ويُجيب عنها دون تقديم أي قيمة مضافة للمشاهد فيُصبح التعليق أقرب إلى “مونولوج ذاتي” منه إلى تحليل حيّ وواقعي.
أما من حيث الأسلوب، فالكثير من التعليقات تتّسم بـالتشنج والصراخ والانفعال غير المبرر إلى جانب استعمال عبارات “ركيكة وسطحية” تفتقر إلى الإتقان اللغوي أو الأسلوب السلس الجاذب. والنتيجة؟ أداء باهت وضعيف المحتوى ومُنهك للمستمع.
إنّ هذا الواقع المؤسف يكشف عن غياب شبه تام للتكوين الفني والأخلاقي في هذا المجال فليس كل من امتلك صوتًا مرتفعًا أو قدرة على الارتجال، يُمكن أن يكون معلقًا رياضيًا، فالمهنة تتطلّب تكوينًا أكاديميًا وثقافة رياضية متينة إلى جانب أخلاق مهنية عالية واحترامًا لعقل المشاهد.
للأسف، لا يزال البعض يعتقد أن التعليق مجرد سرد لحركات الكرة داخل الميدان بينما هو في حقيقته فنٌّ يتقاطع مع الصحافة والتحليل الفني واللغة والإعلام.
أخطاء بالجملة وأسلوب متهالك ومعلومات مغلوطة وتحامل على حساب الحياد، كلها مظاهر تُبرز الحاجة الملحّة إلى تكوين مهني شامل للمعلّقين الرياضيين في تونس، حتى نرتقي بالفعل إلى ما تستحقه اللعبة من احترام واحتراف.