دخل القانون الجديد المتعلّق بمنع العمل بالمناولة في تونس حيّز التنفيذ، مثيرًا جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، بين من يراه خطوة ضرورية لحماية حقوق العمال، ومن يحذّر من تداعياته على تنافسية المؤسسات وسوق الشغل. وللوقوف على أبعاد هذا القانون، استأنسنا برأي الأستاذ رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد، الذي قدّم قراءة نقدية وتحليلية لهذا الإجراء الجديد.
فصل غير واقعي بين الاجتماعي والاقتصادي
يرى الأستاذ رضا الشكندالي أن هذا القانون يركّز بشكل أساسي على الجانب الاجتماعي، متجاهلًا، إلى حدّ كبير، البُعد الاقتصادي، وهو ما يشكّل، بحسب رأيه، مقاربة غير متوازنة.
ويقول في هذا السياق:
“هذا القانون الجديد يفصل الجانب الاقتصادي عن الجانب الاجتماعي ويهتم فقط بالجانب الاجتماعي، والحال أنه لا يمكن تحسين الوضع الاجتماعي بدون مزيد خلق للثروة المنتجة. فالعلاقة بين الاقتصاد والمجتمع ليست آحادية بل جدلية، وكلّ طرف يؤثّر ويتأثّر بالآخر”.
ويضيف:
“في الوقت الذي أُدرجت فيه حقوق العامل الاجتماعية بشكل واضح، لم يُدرج بالمقابل واجباته تجاه المؤسسة التي ستُرسمه وتضمن له العيش الكريم. وهذه النقطة بالذات قد تضرّ بالهدف الأساسي للقانون، والمتمثّل في تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات”.
إيجابيات منتظرة: استقرار وتنظيم
رغم انتقاداته، يعترف الشكندالي بأن للقانون تداعيات إيجابية محتملة، من أبرزها:
الحدّ من التشغيل الهش ومنح فئات واسعة من العمال استقرارًا اجتماعياً ومهنياً طال انتظاره.
تقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي ودفع الأنشطة نحو الاقتصاد المنظم، مما يُمكن أن يعزز مداخيل الدولة من الموارد الجبائية والمساهمات الاجتماعية.
لكن ما الثمن؟ تداعيات سلبية ثقيلة
في المقابل، لا يُخفي الأستاذ الشكندالي قلقه من التأثيرات السلبية التي قد تترتب عن التطبيق الصارم لهذا القانون، مشيرًا إلى ما يلي:
ارتفاع كلفة الأجور بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية، ما قد يدفعها إلى رفع أسعار منتجاتها لتعويض الفارق، وبالتالي يُسهم في تسريع معدلات التضخم.
ضغط إضافي على ميزانية الدولة في حال ترسيم عدد كبير من عمال المناولة في القطاع العام، مما قد يضطر الدولة إلى الترفيع في الضرائب أو العودة إلى الاقتراض الداخلي، وكلا الخيارين لهما تأثير سلبي على الاقتصاد.
تراجع جاذبية تونس للاستثمار الأجنبي نتيجة لتقلّص مرونة سوق الشغل، وهو عامل أساسي تراقبه المؤسسات الدولية في تصنيف مناخ الأعمال.
حالة من الخوف لدى أرباب العمل الذين بدأ بعضهم في تسريح العمال تحسبًا لتبعات القانون، في خطوة عكسية تمامًا للأهداف المُعلنة منه.
نحو مقاربة شاملة ومتوازنة
في ظل هذا الواقع، يدعو الأستاذ رضا الشكندالي إلى ضرورة تبنّي مقاربة أكثر شمولاً وتوازنًا، تُراعي التفاعل الجدلي بين الجانب الاجتماعي والاقتصادي، وتربط بين الحقوق والواجبات داخل المؤسسة، بما يضمن استقرارًا مستدامًا لا يُفرّط في القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
ويختم حديثه بالقول:
“القوانين الاجتماعية النبيلة لا يمكن أن تُطبَّق بمعزل عن قدرة الاقتصاد على تحمّلها. نحن بحاجة إلى حماية العامل، نعم، ولكن أيضًا إلى حماية المؤسسة التي تخلق فرص العمل وتُنتج الثروة”.
القانون التونسي الجديد لمنع المناولة يُعدّ خطوة طموحة نحو مزيد من العدالة الاجتماعية، لكنه يطرح في الآن ذاته تحديات جدّية على المستوى الاقتصادي. وبين الطموح المشروع والإكراهات الواقعية، يبقى الأمل في حوار وطني موسّع لتعديل المسار وضمان فعالية التطبيق.
بلال بوعلي