شهدت العاصمة القطرية الدوحة يومي 27 و28 مايو/أيار 2025 انعقاد المؤتمر الدولي “الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: الفرص والمخاطر والرؤى لمستقبل أفضل”، بمبادرة من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وبالتعاون مع جهات أممية وإقليمية، بينها مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان.
جاء المؤتمر في توقيت مفصلي، حيث تسارعت تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق، مؤثرةً في مساحات حيوية مثل الإعلام، والتعليم، والأمن، والعمل. وقد شهد المؤتمر نقاشات معمقة حول أثر هذه التقنية على الحقوق والحريات الأساسية.
الإعلام والذكاء الاصطناعي.. أخلاقيات جديدة في عصر جديد
من أبرز جلسات المؤتمر كانت جلسة “الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإعلام وفق نهج حقوق الإنسان”، التي نظمها مركز الجزيرة بالشراكة مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والتي ناقشت التحديات الأخلاقية والمهنية التي تفرضها هذه التقنية على العمل الصحفي.
تناولت الجلسة موضوعات تتعلق بالتحيّز الخوارزمي، وانتهاك الخصوصية، وخطر المعلومات المضللة الناتجة عن أدوات الذكاء التوليدي. كما أكدت أهمية تطوير أطر تنظيمية شفافة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات الإعلامية.
تحذيرات من “هلوسة” الآلة.. ودعوات لتدريب الصحفيين
الدكتور ياسر المحيو، خبير الذكاء الاصطناعي بشبكة الجزيرة الإعلامية، أوضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح مكونًا أساسيًا في العملية الإعلامية، لكنه “ليس بديلاً للضمير الصحفي”. وأشار إلى ظاهرة “الهلوسة المعلوماتية”، التي تنتج معلومات زائفة رغم ثقة المستخدم بها.
من جانبه، أكد الدكتور جورجيوس ميكروس من جامعة حمد بن خليفة أن الاعتماد غير الواعي على أدوات توليد المحتوى يعرض الصحافة لخروقات أخلاقية جسيمة، داعيًا إلى تدريب مكثف للصحفيين على توجيه هذه الأدوات بشكل مسؤول.
عدالة إعلامية في مواجهة الفجوة الرقمية
خديجة باتيل، مديرة الصندوق الدولي لإعلام المصلحة العامة في جنوب أفريقيا، حذّرت من تفاقم الفجوة الرقمية بين المؤسسات الإعلامية، ما قد يؤدي إلى تهميش بلدان العالم النامي عن مسارات التطور التكنولوجي، مطالبة بإجراءات تعزز العدالة في الوصول إلى الأدوات والمعلومات.
في السياق ذاته، أشار كارلوس هيرنانديز من منظمة “مالديتا” إلى خطورة فقدان الشفافية في أدوات الذكاء الاصطناعي، وضرورة التمسك بأسس التحقق الصحفي التقليدي.
سياسات تحريرية مسؤولة.. لا تواطؤ مع التمييز
بدوره، أكد الأستاذ إيدي بورخيس ري من جامعة نورث ويسترن في قطر أن المحتوى الرقمي يعاني من رسائل تمييزية ومضللة يعيد الذكاء الاصطناعي إنتاجها إذا لم يُراقب بصرامة، مشددًا على ضرورة اعتماد سياسات تحريرية شفافة تضمن أخلاقيات المهنة.
توازن ضروري: التقنية في خدمة الإنسان
اتفق المشاركون في ختام الجلسة على أن الذكاء الاصطناعي سيكون حتميًا في مستقبل الإعلام، لكنه لا يجب أن يكون بديلًا عن الحس الإنساني. وأكدوا أن المطلوب هو إعلام يستخدم التقنية بمسؤولية، ويستند إلى مبادئ حقوق الإنسان، والمهنية، والعدالة.
في عصر الأتمتة المتسارع، لا تزال المصداقية، والشفافية، والمسؤولية الأخلاقية هي الركائز الأساسية لأي مستقبل إعلامي إنساني ومستدام.