لا يزال الدينار التونسي يُحسب بالألف (1,000)، أي أن الدينار الواحد يُقسَّم إلى ألف مليم، وهو نظام ورثناه من عقود مضت عندما كان للمليم قيمة شرائية حقيقية. أما اليوم، ومع تدهور القدرة الشرائية وارتفاع نسب التضخم، فقد أصبحت هذه الوحدة الصغيرة بلا جدوى حقيقية في الواقع المالي والاقتصادي للبلاد.
تقسيم لم يعد يعكس الواقع
عندما تمّ اعتماد الدينار عام 1960، كان تقسيمه إلى 1000 مليم منطقياً، بالنظر إلى قوة الدينار في ذلك الوقت. أما اليوم، فلم يعد المليم يُستخدم في أي تعامل يومي حقيقي. أسعار السلع والخدمات تُدوَّن بالأرقام الكاملة، وأقل فنجان قهوة يتجاوز الدينار. المليمات، في أغلب الأحيان، تُهمل أو تُدوَّن شكلياً فقط في الفواتير، ما يجعل النظام الحالي مرهقاً وغير واقعي.
نماذج ناجحة: اليورو والدولار
تعتمد العملات العالمية الرائدة، مثل اليورو والدولار، على نظام عشري واضح: 1 يورو = 100 سنت، و1 دولار = 100 سنت. هذا النظام أبسط، وأكثر وضوحاً في المعاملات التجارية والمحاسبية، وأسهل للفهم من قبل المواطنين والمستثمرين. فلماذا تتمسك تونس بنظام يُظهر الدينار على شكل “1,000” بينما قيمته الشرائية لم تعد تتطلب هذه الدقة الزائفة؟
مكاسب واقعية من إصلاح بسيط
إلغاء المليمات أو تجاوزها تدريجياً يمكن أن يحقق لتونس عدداً من الفوائد:
• تبسيط المعاملات: سواء في الفواتير، أو في المحاسبة، أو في أنظمة البرمجيات المالية.
• مواكبة المعايير الدولية: ما يُسهّل التفاهم المالي مع الشركاء والمستثمرين الأجانب.
• تحسين الثقافة المالية: لأن النظام الحالي يعكس انطباعاً غير دقيق عن قيمة الدينار الحقيقية.
• تقليص التكاليف: من طباعة الأوراق النقدية إلى برمجة أنظمة نقاط البيع وغيرها.
• إن اتخاذ قرار جريء بهذا الخصوص سيكون خطوة مهمة نحو تحديث النظام النقدي في تونس. لا يتعلق الأمر بإلغاء العملة أو تغييرها، بل فقط بتعديل الطريقة التي تُكتب بها قيمتها. ويمكن تنفيذ هذا الإجراء تدريجياً عبر فترة انتقالية، تبدأ بتوصية من البنك المركزي وتعتمد على توعية المؤسسات والعموم.تونس بحاجة إلى إصلاحات واقعية وملموسة. والتخلي عن احتساب الدينار بالألف والاعتماد بدلاً من ذلك على النظام العشري (1,0 أو 1,00 عوضاً عن 1,000) سيكون خطوة عملية نحو التبسيط والشفافية. إنه إصلاح رمزي في ظاهره، لكنه فعّال في مضمونه، ويستحق أن يُدرَج على جدول أعمال الإصلاحات النقدية والاقتصادية في البلاد.
أبو فرح